تؤشر الاستقالة "المتأخرة والمنتظرة" للموفد الدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، إلى عقم البحث عن أي تسوية سلمية للنزاع المستمر منذ ثلاث سنوات، عبر الجهود الدبلوماسية التي قادها الابراهيمي، وحاول في مرحلة منها الترويج لخطة إيرانية وصفها بالهامة، وتتكون من أربع نقاط هي وقف إطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعديا الدستور للحد من صلاحيات رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، وربما كانت الاستقالة تعبيراً عن يأس الرجل، بعد الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية، المؤكد فوز الرئيس بشار الأسد فيها بولاية ثالثة تستمر سبع سنوات، مع حقه بحسب التعديلات الدستورية بولاية بعدها ترفع سنوات حكمه إلى 28 سنة، وبعدها يخلق الله ما لا تعلمون.
الانتخابات الرئاسية التي يجري الإعداد لها في دمشق باعتبارها استحقاقا دستورياً، وتكرس أجهزة الإعلام الحكومية قبلها حملات التأييد للأسد، تصفها واشنطن بالمهزلة، لكنها لا تقدم دعماً حقيقياً للمعارضة لوقفها أو عرقلتها، ورفضها الغرب مؤخراً في اجتماع لندن لأصدقاء سوريا، وطبيعي أن ترفضها معارضة الخارج وبعض معارضة الداخل، لكن الواضح حتى اللحظة أنها ستجري في موعدها، وهي بالطبع معروفة النتائج، رغم أن المسؤولين الأميركيين جددوا لرئيس الائتلاف احمد الجربا، التأكيد أن لا مكان للأسد في مستقبل سوريا، التي اكتشف الإبراهيمي بعد سنتين من تعيينه، أن المخارج الممكنة للأزمة أغلقت الواحدة تلو الأخرى، خصوصاً قضية ترشح الأسد للانتخابات، وصرف النظر عملياً عن تشكيل هيئة حكم انتقالية تضم ممثلين عن الطرفين.
تشعر دمشق بالارتياح لتخلصها من صبر ومثابرة الابراهيمي، وإصراره على طرق كل الأبواب بحثا عن حل سلمي، لم تؤمن الحكومة السورية به يوماً، وظل الحسم العسكري نصب عينيها، رغم أن الأزمة حصدت أكثر من 150 الف قتيل، وإذا كان الإعلام السوري وصف الابراهيمي بأنه رجل السعودية، وأن انحيازه للمعارضة كان مكشوفاً خصوصاً خلال مؤتمر جنيف الثاني، في حين تم وصفه رسمياً على لسان مندوب سوريا في الأمم المتحدة، بأنه ارتكب الكثير من الأخطاء ومنها تدخله في الشأن الداخلي السوري، فإن بعض أطياف المعارضة تشعر أيضا بالارتياح لرحيله، لأنه لم يتخذ مواقف حدية وجدية ضد نظام الأسد.
أمين عام الأمم المتحدة يشعر بالأسف، لكون الطرفين المعنيين بالأزمة، وخصوصاً الحكومة، اظهرا تردداً كبيراً في الإفادة من فرصة التفاوض التي أشرف عليها الابراهيمي، لكن الرجل نفسه أعرب عن حزنه الكبير لمغادرة منصبه، فيما تمر سوريا بوضع بالغ السوء، وصعب جداً، غير أنه بما عرف عنه من تفاؤل، يبدو هذه المرة في غير محله، قال إن ذلك الوضع غير ميؤوس منه، ولا يوجد سبب للاستسلام، وهو إن كان يردد سابقا بأنه يتمتع بالصبر الكافي للوصول لمرحلة الولوج إلى الحل، فان الواضح أن صبره لم يوصله لنتيجة غير الرحيل.
والحال هذه، تبدو مثيرة للدهشة والعديد من التساؤلات، دعوة موسكو لتحديد موعد جنيف الثالثة، على اعتبار أن المتطرفين يملؤون الفراغ الناجم عن عدم عقدها، بالتزامن المقصود مع انتقاد اجتماع مجموعة أصدقاء سوريا في لندن، على أساس أن الوثيقة السياسية الأساس الخاصة بتسوية الأزمة السورية تتمثل في بيان جنيف، لكن الواضح أن دمشق وهي تستشعر حجم "انتصاراتها" لم تعد تشعر بالحاجة لتكرار تجربة جنيف، وهي أجهضتها قبل أن يتحول ميزان القوى لصالحها، فكيف وقواتها تواصل قضم مواقع معارضيها، المنشغلين بحرب الأخوة الأعداء، ما أدى الى تصدع الموقف الدولي الداعم لإقصاء الأسد، وباعتبار أنه يقود جيشا كرس قوته لمحاربة الإرهاب، ما يعني عملياً انتفاء الحاجة لتكرار مسرحية جنيف.
الإبراهيمي ينعى جنيف 3
[post-views]
نشر في: 16 مايو, 2014: 09:01 م