TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الحيطان لها آذان!

الحيطان لها آذان!

نشر في: 16 مايو, 2014: 09:01 م

يتصور العديد من الآباء ان التربية القاسية والمتسلطة تنتج رجالا أقوياء ونساء خاضعات ومطيعات ، لكن القسوة تنتج رجالا جبناء، خانعين، لا يمتلكون قدرة على اتخاذ القرار ، ونساء يملن الى الخطأ او الانحراف كوسيلة للتمرد أحيانا ..ولأننا شعب يستعرض فيه الآباء قوتهم وسلطتهم في منازلهم فقط بينما يغذون أولادهم بنظريات (الحيطان لها آذان.. من خاف سلم... واللي يأخذ أمي يصير عمي.. وان كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي) فقد انغرست مفاهيم الخنوع والسلبية في نفوسنا حتى اصبحنا كالأجساد المشلولة تجاه ما يدور حولنا من أحداث ..
الأبناء لدينا لا يفتحون أعينهم على لغة حوار ديمقراطي واستيعاب للآخر فيكبر الخوف في نفوسهم من بطش السلطة ويبتلعون ألسنتهم ويغيبون آرائهم ليضمنوا السير (جنب الحائط) دون ان ينبسوا بكلمة ف( الحيطان لها آذان ) كما علمنا آباؤنا رغم اننا نبتسم في سرنا أحيانا حين نتخيل ذلك لأننا الأمة الوحيدة التي جعلت للحيطان آذانا!!
لقد ربتنا القسوة والتسلط الأبوي على الخشية من الاعتراض او الكلام ذاته لكيلا يؤدي بنا الأمر الى القهر والحرمان فبتنا نفقد أعمالنا ونسكت ونفقد أولادنا ونحمد الله على سلامة الباقين ونفقد لذة العيش في واقع مر ونصبر ونقنع انفسنا بان الفرج آت دون ان نفعل شيئا لتغيير مرارة هذا الواقع ..
الآباء لدينا يستخدمون القسوة والسلطة في منازلهم كرد فعل لعجزهم عن استيفاء حقهم من السلطة خارجه لذا نجد هم يفرضون على أبنائهم سلوكيات وملابس معينة ويتحكمون في رغباتهم وخياراتهم المستقبلية وعلاقاتهم بالآخرين وربما يستخدمون الضرب والعنف لتحقيق ذلك فينشأ الأولاد ولديهم ميل شديد للخضوع والتبعية والعجز عن الإبداع والتفكير وإبداء الرأي والمناقشة وتتسم شخصياتهم القلقة بفقدان الثقة بالنفس والخوف من العقاب ..
ذات يوم ن كان الخليفة عمر بن الخطاب (رض ) يمشي في الطريق حين رأى غلمانا يلعبون فلما رأوه تفرقوا لما له من هيبة كبيرة الا واحدا منهم بقي واقفا بأدب لفت نظره فقال له : " يا غلام ، لم لم تهرب مع من هرب ؟ "..قال له الغلام :ايها الأمير ..لست ظالما فأخشى ظلمك ولست مذنبا فأخشى عقابك والطريق يسعني ويسعك ..
اننا نفتقر اليوم الى هذه الجرأة المهذبة ..الى القوة المشيدة على أركان الثقة بالنفس وادراك الحقوق والسعي الى تأشير الأخطاء ومعالجتها لذا اعتدنا على ممارسة سلوك الرضى بما هو ممكن والخوف من مقارعة الظلم ..ولابد لنا اذا كنا ننوي الانتفاض على الخوف المتأصل في نفوسنا ان نتحرر من التبعية والسكوت عن الحق فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء الا باعلاها وافضلها ، ونحن نمارس لذة الحلم بحياة افضل دون ان نسعى لتغيير واقعنا المرير ..
ليس ذنبنا مثلا ان نمارس الفوضى والسلبية في حياتنا فظروفنا أجبرتنا على ذلك وحكوماتنا ربتنا على الخنوع لأنها استخدمت سوط السلطة بسبل متعددة لكن الإنسان يجب ان يكون اقوى من الظروف ويشكل حياته بيديه ، ولأن حكوماتنا لم تلامس إنسانيتنا يوما وعاملتنا كأدوات لنفخ السلطة فقط فلابد ان نتخلص من عيوبنا وننتفض على أسلوب تربية آبائنا ورؤسائنا ، ولن نضطر بعدها الى التدافع من اجل كسرة خبز او السير (جنب الحائط ) لضمان رضى السلطة ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. أبو همس الأسدي

    أوليست النتائج الأولية للأنتخابات خير دليل على ذلك الجبن والخوف المتأصل فينا من التغيير ؟؟ بدليل الخنوع والأستسلام للسىءوالسارق والطائفي !! بذريعة(( شين التعرفه أحسن من زين الماتعرفه )).. وكأننا على معرفة مسبقه بالأطباء الذين أسلمناهم حيواتنا عند العمليات

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram