تدعونا الباحثة والمحللة النفسية والقصاصة كلاريسا بنكولا ايستس في كتابها الفريد (نساء يركضن خلف الذئاب) إلى استبعاد السلبية عن أفكارنا والابتعاد عن الأشخاص الذين يكنون العداء لمشاعرنا العميقة أو لا يبالون بأحاسيسنا وأحلامنا، من أجل إيقاظ المرأة البرية القوية في اعماقنا وتحفيز جانبنا الإبداعي، فالأفكار السلبية والأشخاص الذين يزدرون ابداع النساء وقدراتهن الخلاقة، يشكلون عوامل افتراس خطيرة مسببة لخمود شعلة الحياة الابداعية في أعماق المرأة وعندما تخبو وتخمد هذه الشعلة فذلك يعني ان المرأة استسلمت لعامل مدمر من خارجها وعامل مفترس من داخل نفسها يحتقر الفعل الابداعي ويحرضها على الانصراف للأدوار التقليدية في الحياة الأسرية والقبول بالتقسيم السائد للأدوار بين الجنسين.
لابد للمرأة المبدعة ان تأخذ نفسها وأفكارها وفنها وإبداعها بجدية تامة لتتوصل الى إعلاء قيمة الحياة الابداعية لديها فيغدو تقدير الافكار والأعمال الجمالية والفنية لدى النساء القضية الاساس في ارتفاع الصوت الانثوي وترسيخ أثره في الفضاء الاجتماعي.
يعمل التردد الذي ينتاب عددا كبيرا من المبدعات الى اتخاذ مواقف متناقضة تتقاطع مع طموحاتهن، فتقوم كثير منهن بقتل طبائعهن الإبداعية والعاطفية استجابة لتهديدات داخلية يفرزها عامل الخوف من البوح والاحساس الطاغي بالتقصير إزاء واجباتهن الأسرية مما يضعهن في مواقف مهزوزة تخمد شعلة الخلق الفني وتدفعهن غالبا للصمت والانكماش على انفسهن وغالبا ما تنتحل أعداد كبيرة من النساء المبدعات اعذارا واهية للتنصل من الصوت الابداعي في أعماقهن، ومن أبرز الاعذار انهن لا يملكن الوقت الكافي او انهن يخشين الفشل او يرددن ان موهبتهن غير كافية لإنتاج عمل فني ملهم، وتنصح الدكتورة كلاريسا بنكولا هؤلاء النساء المبدعات المترددات ان يستخدمن فضولهن ويدركن كل ما يمر بهن من صور وأحداث وأصوات ويتعلمن ما ينبغي معرفته، وبتنشيط الفضول الغريزي سيكون بوسع النساء إيقاظ شرارة الخلق وإطلاقها من أعماقهن، فشرارات الابداع والقوة موجودة منذ الولادة في أعماق كل إنسان، لكنها تهمد بمرور السنوات وتتراكم عليها اكداس من الرماد والقش والتراب، ولابد من صقلها وتنظيفها بقوة و تفتيت التكلسات وكشطها رغم الألم الذي تسببه عملية الصقل والتنظيف لإعادة قوة الادراك والبصيرة الى طبيعتها الاولى..
تهمس لنا دكتورة كلاريسا بحقيقة نتغافل عنها او نتجاهلها وهي ان النساء جرى تلقينهن منذ صغرهن على انهن عديمات الرؤية وفاقدات البصيرة ولا صوت لهن وعاجزات عن الفعل والمبادرة وضعيفات الارادة،ولأجل ان تنفي المرأة هذه المعوقات وتكنسها من اعماقها وتستبعد هذه المحبطات التي افترست قوتها، عليها ان تعارض هذا التلقين فتمارس نقيضه: تنشط مخيلتها لتمتلك الرؤية، وتتأمل ما حولها لتوقظ البصيرة، وتستخدم قدراتها لتواجه ما تراه، وتنطق الصدق بصوت واضح وقوي وواثق، وتسخّر جميع مداركها وقدراتها لتقوم بما تحب القيام به وتحقق طموحها لبلوغ مرتبة مرموقة في العلم والفن والإبداع.
تعرف المرأة القوية بطبيعتها الغريزية كيف تقاوم المفترس القابع في أعماقها لأن مداركها تعينها على اكتشافه وتنتصر عليه و تبعده عنها، بينما تكون المرأة المسلوبة الإرادة والتي جرح الآخرون مشاعرها مستعبدة للعامل المفترس المحبط الجاثم على روحها فهي لا تراه ولا تحس بوجوده بسبب التربية والأوهام التي زرعتها الأسرة والمدرسة والمجتمع فيها فقد أنشئت على التزام الصمت واللطف وإظهار الرقة فتصرفت بطريقة تسهل استغلالها وامتهان إنسانيتها وهي غافلة عن حقيقة كينونتها الإنسانية.
يتبع
جميع التعليقات 1
نيران العبيدي
احسنت استاذة