TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مشروع كامل الدسم

مشروع كامل الدسم

نشر في: 18 مايو, 2014: 09:01 م
القوى العراقية المشاركة في العملية السياسية ، لطالما أعلنت تبنيها مشروعاً وطنياً لإدارة الدولة ومنذ اكثر من عشر سنوات ، الجميع يتحدث عن المشروع الوطني ونبذ الطائفية والمذهبية ، وحتى هذه اللحظة لم يلمس العراقيون ما يُثبت تطبيق الشعارات والادعاءات ، وما تبقى من الدولة تبدد بسوء الادارة واستشراء الفساد ، واتفاق الاطراف المشاركة في الحكومة على اعتماد المحاصصة بذريعة ضمان حقوق المكونات ،فاصبحت وصفة عراقية بامتياز وعلامة فارقة للحياة السياسية ، على الرغم من شتمها والتنديد بنتائجها وانعكاساتها السلبية على العلاقة بين الفرقاء ، فاصبح احدهم يتهم الآخر بالتنصل عن الاتفاق العادل في توزيع بعض المناصب والمواقع وادارتها بطريقة الوكالة بقرار ثوري من صاحب الحل والربط .
طريقة تعامل القوى السياسية مع المشروع الوطني، تشبه الى حدٍ ما الرضاعة الصناعية ، فالجيل الجديد من النساء العراقيات ، لا يفضلن الرضاعة الطبيعية فلجأن الى حليب "القواطي" بنصف وكامل الدسم لتغذية الاطفال ، فضربن عرض الحائط نصائح الاطباء، وفضلن الطريقة الجديدة في الرضاعة ، لانها وبحسب اعتقادهن تعطي النتائج نفسها في تحقيق النمو الكامل للطفل ، واكتساب مناعة ضد الامراض ،لكن تطبيق هذه النظرية على المستوى السياسي خلـَّفت مشاكل وأزمات ، وخلافات عنيقة ، وملفات شائكة ، لن تحل إلا بإيجاد "مرضعة " للعملية السياسية ، تضمن لها النشوء السليم بمشروع وطني حقيقي يتم تطبيقه خلال سقف زمني محدد .
جميع القوى ترفع شعار المشروع الوطني ، وتصريحات قادتها تصر على تطبيق فقراته ، الأمر الذي يعني وجود قاعدة مشتركة للتفاهمات ،والرغبة في العمل على وفق برنامج موحد لبناء الدولة ، وعلى مدى اكثر من عشر سنوات لم يحصل التقارب والتفاهم ، وظل كل طرف يدَّعي ان نظريته هي الافضل لتحقيق مطالب العراقيين ، فضاع الجهد والوقت ، فيما ظلت الشعارات مرفوعة ، تنتظر تنفيذ حرف واحد منها على ارض الواقع .
نتائج الانتخابات الحالية كشفت عن وصول مرشحين الى مجلس النواب باصوات ابناء عشائرهم والقوائم الكبيرة ، صاحبة المشروع الوطني كما تدعي ، تحركت على هؤلاء فضمنت المزيد من الاصوات ، وفي ائتلاف واحد في بغداد ضمن اكثر من زعيم عشائري مقعده في المجلس النيابي الجديد ، اما الفائزون الآخرون ، فعرفوا كيف يُثيرون الاندفاعات الطائفية والمذهبية وحتى المناطقية للتصويت لصالحهم؟ وفي ضوء ذلك ، يبرز سؤال يطرح بقوة: هل يستطيع ائتلاف بهويته العشائرية والمذهبية تحقيق مشروعه الوطني ام يلجأ هو الآخر الى الرضاعة الصناعية بحليب نصف وكامل الدسم ، لتنفيذ مشروعه في اربع سنوات اخرى ؟
ياجماعة الخير يا رؤساء القوائم الكبيرة والصغيرة ، الحديث عن المشروع الوطني في الوقت الحاضر اصبح لعبة رخيصة ، والعراقي لا يريد منكم شعارات جديدة ، مبارك لمن فاز من المرشحين ، وحمل شرف تمثيل ابناء شعبه في البرلمان ، بتصويت ابناء عشيرته او بأصوات رئيس قائمته ، العراقي يريد استحقاقاته ، فهل من مجيب يا دعاة المشروع الوطني كامل الدسم؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram