القوى العراقية المشاركة في العملية السياسية ، لطالما أعلنت تبنيها مشروعاً وطنياً لإدارة الدولة ومنذ اكثر من عشر سنوات ، الجميع يتحدث عن المشروع الوطني ونبذ الطائفية والمذهبية ، وحتى هذه اللحظة لم يلمس العراقيون ما يُثبت تطبيق الشعارات والادعاءات ، وما تبقى من الدولة تبدد بسوء الادارة واستشراء الفساد ، واتفاق الاطراف المشاركة في الحكومة على اعتماد المحاصصة بذريعة ضمان حقوق المكونات ،فاصبحت وصفة عراقية بامتياز وعلامة فارقة للحياة السياسية ، على الرغم من شتمها والتنديد بنتائجها وانعكاساتها السلبية على العلاقة بين الفرقاء ، فاصبح احدهم يتهم الآخر بالتنصل عن الاتفاق العادل في توزيع بعض المناصب والمواقع وادارتها بطريقة الوكالة بقرار ثوري من صاحب الحل والربط .
طريقة تعامل القوى السياسية مع المشروع الوطني، تشبه الى حدٍ ما الرضاعة الصناعية ، فالجيل الجديد من النساء العراقيات ، لا يفضلن الرضاعة الطبيعية فلجأن الى حليب "القواطي" بنصف وكامل الدسم لتغذية الاطفال ، فضربن عرض الحائط نصائح الاطباء، وفضلن الطريقة الجديدة في الرضاعة ، لانها وبحسب اعتقادهن تعطي النتائج نفسها في تحقيق النمو الكامل للطفل ، واكتساب مناعة ضد الامراض ،لكن تطبيق هذه النظرية على المستوى السياسي خلـَّفت مشاكل وأزمات ، وخلافات عنيقة ، وملفات شائكة ، لن تحل إلا بإيجاد "مرضعة " للعملية السياسية ، تضمن لها النشوء السليم بمشروع وطني حقيقي يتم تطبيقه خلال سقف زمني محدد .
جميع القوى ترفع شعار المشروع الوطني ، وتصريحات قادتها تصر على تطبيق فقراته ، الأمر الذي يعني وجود قاعدة مشتركة للتفاهمات ،والرغبة في العمل على وفق برنامج موحد لبناء الدولة ، وعلى مدى اكثر من عشر سنوات لم يحصل التقارب والتفاهم ، وظل كل طرف يدَّعي ان نظريته هي الافضل لتحقيق مطالب العراقيين ، فضاع الجهد والوقت ، فيما ظلت الشعارات مرفوعة ، تنتظر تنفيذ حرف واحد منها على ارض الواقع .
نتائج الانتخابات الحالية كشفت عن وصول مرشحين الى مجلس النواب باصوات ابناء عشائرهم والقوائم الكبيرة ، صاحبة المشروع الوطني كما تدعي ، تحركت على هؤلاء فضمنت المزيد من الاصوات ، وفي ائتلاف واحد في بغداد ضمن اكثر من زعيم عشائري مقعده في المجلس النيابي الجديد ، اما الفائزون الآخرون ، فعرفوا كيف يُثيرون الاندفاعات الطائفية والمذهبية وحتى المناطقية للتصويت لصالحهم؟ وفي ضوء ذلك ، يبرز سؤال يطرح بقوة: هل يستطيع ائتلاف بهويته العشائرية والمذهبية تحقيق مشروعه الوطني ام يلجأ هو الآخر الى الرضاعة الصناعية بحليب نصف وكامل الدسم ، لتنفيذ مشروعه في اربع سنوات اخرى ؟
ياجماعة الخير يا رؤساء القوائم الكبيرة والصغيرة ، الحديث عن المشروع الوطني في الوقت الحاضر اصبح لعبة رخيصة ، والعراقي لا يريد منكم شعارات جديدة ، مبارك لمن فاز من المرشحين ، وحمل شرف تمثيل ابناء شعبه في البرلمان ، بتصويت ابناء عشيرته او بأصوات رئيس قائمته ، العراقي يريد استحقاقاته ، فهل من مجيب يا دعاة المشروع الوطني كامل الدسم؟