يكتب الشيخ جلال الحنفي أن الشعوب العربية تنطق "الرز"، لكن العراقيين وحدهم يسمونه "التمن" وهي كلمة صينية. بعد ثورة 14 تموز 1958 يرسل عبد الكريم قاسم الشيخ الحنفي ليكون أول أستاذ للغة العربية في جامعة صينية، لكن بعد انقلاب شباط 63 تستدعي وزارة التربية الحنفي ليعود الى بغداد. وعندما تستشيره الصين في أن يرسل بديلاً عنه يرشح لهم هادي العلوي مكانه وكان قبلهم ذهب اليها الروائي الكبير غائب طعمة فرمان هاربا من ملاحقة السلطات الملكية فاحتضنه اهل الصين وعينوه مترجما، يقول اهل الصين "كل العالم عميانٌ إلا العراقيين فهم عور". ظلت الصين وما زالت تحمل ودا خاصا للعراقيين، وفيما العراق واهله يتجهون بأنظارهم غربا.
تقدم الصين كل يوم دروسا جديدة للعالم، فقد تمكنت من توجيه اكثر من مليار انسان نحو استراتيجية اقتصادية ودولية أذهلت الجميع، لم تعد الشيوعية إلزاماً في الصين ولكنها تجربة في محاولة إيجاد الرغيف الواحد على مائدة أكثر من خمسة أفراد في بلد يتجاوز المليار نسمة، فمارست التطوير وتعديل المسارات، حتى وصل الأمر أنه يندر وجود منزل في العالم لا توجد فيه قطعة صنعت في الصين. أراد "دنغ كسياو بنغ" وهو يبني الصين الحديثة أن يفيد من تجربة دول مثل اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية. سافر إلى طوكيو والمدن الأخرى، وزار الشركات الكبرى وفي النهاية اكتشف أن هناك روابط بين اليابانيين والصينيين إنهم شعوب يحبون العمل والنظام أكثر من أي شعب آخر في العالم.. أدرك الزعماء الصينيون ان التنمية هي فرصتهم الوحيدة، فتبنوا مبدأ العمل المتواصل ريثما يلحقون بركب الدول. لكن المعجزة الصينية لم تتحقق نتيجة عمل قلة متربعة على القمة، بل إن الشعب الصيني كله شارك في العزم والتصميم لإثبات قدرته على النجاح. ليست أسطورة أو خرافة أن الصينيين يعملون كفريق أو شركة واحدة، فلكل فرد دوره المحدد ومكانه الدقيق والمناسب. يقول توماس فريدمان: "ان المشكلة التي تقلق الامريكان، انهم يواجهون شعبا من المهرة والحرفيين، لا يتنقلون من عمل إلى آخر ولا يتغيبون إلا في حالة الطوارئ القصوى".
قبل ثلاثة عقود كانت الصين مجرد شعب يحرث الحقول بحثا عن الأرز. والآن تخفق المشاريع الاقتصادية الكبرى في أوروبا وأميركا وتزدهر في شنغهاي وبكين.
تحولت الصين خلال العقود الأخيرة من بيوت بسيطة إلى مدن تضاهي نيويورك وباريس ومن دولة تسبح في شوارعها الدراجات الهوائية، إلى بلد يسعى لشراء جنرال موتورز. إنها حكمة العصر الحديث. لقد بدأ العصر الصيني في البزوغ، في الوقت الذي يتراجع فيه العصر الغربي، سيذهل القارئ حين يعرف أن 70% من أشهر الماركات العالمية تصنع في مدن نائية في الصين.
اكتب عن الصين التي لايريد العراق ان يستلهم تجربتها في النمو، ويصر على اقامة شراكة استثمارية مع السودان ففي خبر طريف تناقلته وسائل الاعلام امس ابدى السيد نوري المالكي عن رغبته في تطوير العلاقات الثنائية بين العراق والسودان في مجالات الطاقة والاستثمار، الخبر يكشف حتما ان الوضع في العراق برغم القتامة والخراب.. ومعارك داحس والغبراء حول نتائج الانتخابات.. فان بعض المسؤولين والساسة يعمدون مشكورين على ترطيب الاجواء واشاعة روح النكتة والطرافة. ربما نختلف او نتفق مع السيد رئيس مجلس الوزراء، لكن علينا ونحن نقرأ هذه "اللفتة" الاستثمارية ان نؤمن بان الرجل تعرض من جانبنا الى ظلم كبير، حين تركناه وحده يدفع باتجاه ان يُصدر السودان تجربته في الاستثمار والطاقة للعراق.
كنت اتمنى على السيد المالكي ان يترك الشراكة الاستثمارية مع العاصمة العظمى الخرطوم ويحاول الاستفادة من تجربة عمر البشير في رفع العصا بوجه شعبه.
وانا أتابع كوميديا الشراكة الستراتيجية مع السودان، لم أجد غير سؤال واحد طرحتُه منذ عدة أشهر، وما زلت ابحث عن اجابته: لماذا يتصرف البعض معنا وكأننا شعب خارج من الكهوف؟ لماذا يريد المالكي فرض عالمه الوهمي علينا، فيستبدل تجارب دول مهمة مثل سنغافورة والصين وكوريا الجنوبية ، برحلة الى السودان، شبيهة بالرحلة التاريخية الى جزر القمر التي طالبنا بها من قبل الحاج صلاح عبد الرزاق ؟
المالكي بين الصين وعصا البشير
[post-views]
نشر في: 18 مايو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 5
سعد
يريد يحول مياه النيل الى دجلة والفراات باستخدام عصا البشير او يستورد ترب حديثه من طين النيل الازرق.
نشأت المندوي
شكرا على مقالتك لكنك نسيت اننا شعب يعشق الدين وكما تعرف اان الدين يجمد العقل ويمسخ التفكير ويشوه الحقائق واذا اردنا الالتحاق بالصي علينا ان نبعد الدين ساعتها ننطلق للاامام
الشمري فاروق
الاخ العزيز ابو حسين لا تنزعج من ذلك فالمالكي والبشير كلاهما من معدن واحد ذاك يرفع عصاه بوجه السودانيين والمالكي يرفع سبابته بوجوهنا..... ويشتركون بتقنين التخلف والعودة الى القرون الوسطى وكره التقدم والديمقراطيه... وحب الدكتاتوريه وتقنينها....وصدق من ق
ابو اثير
سيدي الكريم .المثل العراقي يقول أنالطيور تقع على أشكالها وهو مثل تعلمناه منذ الصغر والسلطان يبدوا أراد أن يتعلم من تجربة السلطان البشير مهارة البقاء في السلطة لأكثر من ثلاث دورات في السلطة والحكم والاستفادة من خبرات البشير في أبعاد حلفاء الأمس ورميهم في ا
داخل السومري
كل شعوب الارض نزلت من فوق الشجره الا الشعب السوداني فهو لا يزال يعيش فوق الشجره.