TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أحمد المهنا.. بورتريه التلميذ المعلّم

أحمد المهنا.. بورتريه التلميذ المعلّم

نشر في: 19 مايو, 2014: 09:01 م

لم أعرف أحمد المهنا إلا في بيروت عام 1979 عندما كنا لاجئين على اللاجئين.
السبب الذي يقف وراء عدم معرفتي به في بغداد يؤشر إلى ما صار عليه أحمد في بيروت وما بعد بيروت.
اختار أحمد مبكراً أن يعتني بفرديته وما انطوى عليه من حرية داخلية حصنته ضد السرديات الكبرى في حياتنا، نحن الذين صرنا أصدقاءه.
خيار أحمد ينطوي على قدر كبير من الحكمة حتى لو كانت حكمة تلميذ يتلمس طريقه شاباَ في عالم المعرفة، وإذ أقول (تلميذ) أعني شغفه بالتعلم مهما بلغ من الثقافة (بمعناها الفكري المنتج).
بينما اندرج الكثيرون منا تحت الرايات، خفّاقةَ أو منكسة، كان أحمد الشاب يرقبنا من مسافة ليست بعيدة جداَ، فهو ابن التجربة ذاتها وإن كان فيها لكن على حدة.. كان يرى إلينا، ومن يشبهوننا، بأننا لسنا ضحايا الدكتاتورية الحاكمة، حسب، بل ضحايا الفكرة المقدسة، على نبلها، أو نسبية نبلها.
يسجل لأحمد إنه اختار الجدل مع أصدقائه حتى أولئك الذين يتقاطعون معه حول أفكاره بشأن الثقافة والسياسة وما بينهما من كلام وأحلام ودماء ومنافٍ ويئوسات، على أن أصدقاء أحمد، من شلتنا على الأقل، هم ممن يختلفون معه في الثقافة والسياسة وما بينهما، فهل كان هؤلاء يرون فيه الوجه الأوضح لأقنعتهم أم هو القناع الأقل وضوحاً لأوجههم؟
هل ثمة تواطؤ، غير معلن، بين أحمد وأصدقائه الذين أعنيهم هنا؟
إذا كان هذا مقبولاً، فلنسمه: التواطؤ المنتج، عندما يتعلق الأمر بالآخر المختلف.. يسعفني، هنا، قول لآرثر رامبو: أنا الآخر!.
لم أعرف بين الذين عرفتهم ورافقتهم وصادقتهم من ينطبق عليه قول رامبو مثل أحمد المهنا.
عندما تكون (الأنا) هي (الآخر) فذلكم هو عين الأريحية الفكرية والأمثولة الثقافية التي يندر أن نجدها عند المثقفين.
وإذ أقول (المعلم) فهي استعارة مما تركه أحمد في ذاكرة من عرفه في بغداد، ووصفه كاتب عراقي بأنه (المعلم) إشارة إلى ما تركه في نفوس من عملوا معه، هناك، وقد أغدق عليهم من روح مهنية ومعرفية وأخلاقية.
وإذ أكرر دائماً أن العراق هو بلد التجارب المبتورة، في إشارة إلى انعدام التراكم المعرفي وحتى الأخلاقي، وأعني، ضمن ما أعني، إننا أبناء المشاريع المبتورة التي لم تستمر، لتتراكم، في سياق سوية ثقافية – سياسية حتى مثل بعض دول جوارنا العربي: سوريا مثلاً، فإنني وجدت في كتاب المهنا (الإنسان والفكرة) ما يتطابق مع مفهومي هذا.
يقول أحمد: (إن الإبداع في حقول المعرفة هو حصيلة تراكم الطابوقة على الطابوقة في مناخ حر، ويمكن الحديث عن تعثر في التراكم وفي الحريات بدءاً من ثورة 1958. إلا أن ربع القرن الماضي من حكم البعث سد الطريق أمام التراكم سداً مبرماً وقضى على المتاح قبله من الحريات قضاء ذريعاً. ثلاثة أجيال فقدت الكرامة والثقة والحياة (مادياً ومعنوياً)، لن يطلع منها أضراب جواد علي وعلي الوردي وعبدالعزيز الدوري وعبد الجبار عبدالله ومصطفى جواد ومحمد بهجت الأثري ومحمد سلمان حسن وعلي جواد الطاهر ومهدي المخزومي والسياب ومحمود البريكان ومحمد خضير).
عند فحص تلك الأسماء نجد فيهم الأكاديمي والمؤرخ والعالم والشاعر والاقتصادي واللغوي وكاتب القصة القصيرة، باعتبارهم بناة ثقافة لم يكتمل بناؤها، وإذا تفحصناهم آيديولوجياً نجد بينهم القومي واليساري والوطني والديمقراطي والمستقل، أي أن المهنا وهو يسوق الأسماء المنيرة تلك لم يعبأ بالايديولوجيا، ولم تستحكم به عقدة السياسة بل هو انحاز للمعرفة وهي تبني وتحاول مراكمة الضوء في بلد معتم.
بعد هذا وذاك: عرفت أحمد إنساناً كريم النفس وأعني أن كرمه الإبداعي يصل كرمه الاجتماعي، يغنيه ويغذيه على عكس مبدعين عرفتهم صرت أشك بإبداعهم لأنهم بخلاء اجتماعياً: أي في المحبة والتسامح وإبداء العون لمن يحتاجه.
تحية لصديقي أحمد.. تحية لألمه حيث الألم، حسب تعريفه، نوع من المعرفة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram