TOP

جريدة المدى > سياسية > تجربة تشكيل الجيش العراقي الجديد..إعادة بناء جيش فـي منطقة حرب

تجربة تشكيل الجيش العراقي الجديد..إعادة بناء جيش فـي منطقة حرب

نشر في: 20 أكتوبر, 2012: 05:56 م

بعد الاجتياح الأميركي عام 2003 مباشرة لم تكن سلطة الائتلاف المؤقتة تعتقد بضرورة تأسيس جيش عراقي جديد، حيث كان الكثير من المسؤولين الاميركان في العراق يعتقدون أن الجيش القوي سيعيد ذكريات صدام حسين الى أذهان السكان من الكرد والشيعة. حتى عندما رأت سلطة الائتلاف أخيرا خطأ أساليبها، فقد كانت لا تزال تريد قوة عسكرية صغيرة وخفيفة. بدأ الوضع الأمني بالتدهور بسرعة في البلاد فاضطرت الولايات المتحدة بالاعتراف بحاجة البلد إلى جيش جديد يتولى أمر المتمردين والمليشيات، إلا أن هذا الجهد كان يجري بطريقة عشوائية.
 كان الهدف النهائي هو وجود قوات عراقية لكي تتمكن القوات الأميركية من الانسحاب. كانت هذه الخطة تركن على الرفوف مرارا مع تنامي العنف في البلاد. في منتصف 2004 وضعت الولايات المتحدة بدلا من ذلك منظمات يمكنها بالتالي أن تؤسس قوة امنية عراقية جديدة. مازال الأمر يحتاج الى سنوات لتأسيس مثل هذه المؤسسة الفاعلة لأنه يعاني العديد من المعوقات. أساسا كان بول بريمر رئيس سلطة الائتلاف يعتقد بان اي جيش سيشكل تهديدا للعراق الجديد، فكان أمره الثاني الذي اصدره هو حل وزارة الدفاع والقوات المسلحة في أيار 2003. وقد استغرق ادراكه لخطأه ثلاثة أشهر، كما بدأ قائد قوات التحالف في العراق الجنرال ريكاردو سنشيز بالدفع باتجاه قوة تتعامل مع أعمال التمرد المستمرة مما قاد الى أمر سلطة الائتلاف المرقم 22 في آب الذي خول تأسيس جيش عراقي جديد. في الشهر التالي تأسست فرقة الدفاع المدني بموجب الأمر المرقم 28. كان بريمر يريد إخضاع الجيش للسيطرة المدنية وأن يحمي البلاد من التهديدات الخارجية وينفذ حكم القانون. كانت القوة المفترضة تبلغ 40 ألف موزعة على ثلاثة فرق خفيفة يستغرق تأسيسها عام ونصف، وان تكون هذه الفرق كيانا منفصلا وتحت السيطرة المباشرة للجيش الأميركي وليس لسيطرة العراقيين، وان تركز على الأمن الداخلي. وكما هي حال الكثير من محاولات الولايات المتحدة في العراق خلال السنوات الأولى، فقد عانى هذا المجهود من الافتقار للتخطيط ومن قلة الموارد ونقص الأموال وقلة عدد المدربين ومن العنف المتصاعد. كان بريمر يعتقد ان إبقاء الجيش العراقي السابق سيساعد في إبقاء صدام في السلطة من خلال قمع السكان. كان المراد للعراق الجديد ان يكون ديمقراطيا تكون فيه الشرطة هي القوة الرئيسية لحفظ النظام وان أي جيش يتأسس يجب أن يكون صغيرا ولا يشكل تهديدا ويحمي الحدود. الوضع المتغير في العراق كان يعني أن تلك الأفكار المبكرة كانت ستتفكك سريعا جدا.  في حزيران 2003 بدأت سلطة الائتلاف العمل على تجميع جيش عراقي جديد، وتم تنسيب الجنرال بول ايتن مسؤولا عن مهمة التدريب الجديدة. وسرعان ما اكتشف الجنرال ايتن بان سلطة الائتلاف والجيش الاميركي غير مهتمين كثيرا بشأن إعادة بناء الجيش. كل ما حصل عليه هو عرض سلايد من 24 صفحة من القيادة الأميركية المركزية و173 مليون دولار وكادر من خمسة أشخاص، كما شعر بالقلق لأن فرقة الدفاع المدني العراقية ستكون مسؤولة امام الجيش الاميركي مما سيقوض الحكومة العراقية الجديدة التي كان الاميركان يحاولون تشكيلها. حتى مع الافتقار الى الموارد ومع خيبة الأمل فقد اندفع ايتن وأراد بدء التدريب في الاول من آب. أولى الفرق الخفيفة كان المفترض أن تنتشر بحلول عام 2004، والثانية في 2005 والثالثة في 2006. وكانت كل وجبة من الجنود تخضع للتدقيق من عدم ارتباطها بالبعث كما تم استبعاد الضباط من عهد صدام. بالتالي خصصت سلطة الائتلاف 3.24 مليار دولار للقوات الأمنية من مجموع 18.4 مليار المخصصة لصندوق إغاثة وإعادة إعمار العراق. في تشرين الثاني أعلن الائتلاف بأنه سيقوم بتسليم السيادة للعراقيين في منتصف 2004. كان ذلك يعني عدم توفر الوقت أمام ايتن لكي يحقق أهدافه، وكان عليه تنقيح خططه نتيجة لذلك. في الوقت نفسه بدأ الجيش الأميركي بالانسحاب إلى قواعده خلال الصيف. كانت الخطة تسليم المزيد من المسؤولية للعراقيين من اجل أمنهم لكي تتمكن الولايات المتحدة من الانسحاب. كانت تلك أولى المحاولات لإخراج الولايات المتحدة من العراق. كان الاعتقاد السائد بان القوات الأميركية يمكن أن تغادر بعد تأسيس جيش عراقي يقف على قدميه، إلا أن الوضع الأمني المتدهور كان دائما يطمس تلك الخطط. بينما كانت الأمور تتحول الى خيبة أمل على ارض العراق، كان البيت الأبيض في واشنطن يعرض كل شيء على انه يسير وفق الخطة. في تشرين الاول أخبرت إدارة بوش الكونغرس بان هناك 70 ألف عراقي في الشرطة والجيش وفرق الدفاع المدني، و13 ألفاً آخرون في التدريب، وادّعى وزير الخارجية كولن باول بان البنتاغون كان يتلاعب بالاعداد حيث ان وزارة الدفاع ذكرت ان العدد كان 20 ألفا في قوات الامن العراقية ثم قفز العدد إلى 80 ألفاً ثم إلى 100 الف وأخيرا إلى 120 ألفاً، كما ان بريمر أكد أن وزارة الدفاع تبالغ بالعدد لكي تتمكن من الخروج من العراق، حتى أن الجنرال سانشيز اتفق مع أن البنتاغون يضخم العدد.
لقد كشفت حرب العراق انقسامات عميقة داخل الإدارة، فقبل وبعد الاجتياح كان البيت الأبيض غالبا ما يتحدث بأصوات متضاربة ومتناقضة عن تطور الصراع وعن تأسيس جيش عراقي جديد. كانت وزارة الدفاع والرئيس بوش يريدان دائما إضفاء مسحة ايجابية على الأحداث، بينما وزارة الخارجية كانت دائما انتقادية بسبب التنافس بين باول ورامسفيلد. أما أولئك الذين على ارض الواقع مثل بريمر والجنرال سانشيز فقد كان لهم رأي آخر. الحقيقة هي ان موضوع قوات الأمن العراقية الجديدة كان يسير بشكل سيئ كما هي الحال مع مساعي إعادة إعمار العراق.
 من اواخر 2003 حتى بداية 2004 بدأت مشاكل الجيش العراقي تتكشف، ففي كانون الأول 2003 هرب 50% من منتسبي أول فوج للدفاع المدني من الخدمة خلال تمتعهم بالإجازة، وتمت اعادة النظر بوحدات الحرس الوطني الاميركي التي كانت تدرب الجيش العراقي، فتبين انهم غير مؤهلين لذلك الواجب. بدأت سلطة الائتلاف تنقم على مهمة التدريب أيضا. في شباط 2004 كتب كيث ماينز، مسؤول سلطة الائتلاف في محافظة الانبار، تقريرا يقول إن القوات العراقية هناك قد كلفت بواجبات قبل ان تصبح مستعدة لذلك، وقال الكولونيل هامس المشترك في برنامج التدريب إن البرنامج في طريقه للفشل وان تصريحات البيت الأبيض عن التقدم الذي يحرزه الاميركان ما هي إلا "أوهام". كان تجميع الجيش العراقي عملا متسرعا منذ البداية، وكان يجب أن نتوقع بوقت مبكر المعاناة التي سيمر بها طالما انه يفتقر إلى التخطيط العميق المتطور.
في نهاية 2003، كان حتى البنتاغون يدرك المشاكل الحاصلة في العراق. في تشرين الثاني أرسل رامسفيلد فريق تخمين برئاسة الجنرال كارل ايكنبيري لمراجعة تطور القوات الامنية. وجد الجنرال بان سلطة الائتلاف لم يكن لديها الكادر الكافي للقيام بمهمة التدريب وإنها تفتقر الى التخطيط، وقال ان القوات العراقية تحتاج إلى أشهر لتولي المسؤولية بدل الجيش الأميركي. من اجل تسريع المسألة اقترح الفريق أن تتسلم القوات الأميركية مهمة التدريب. وافق رامسفيلد على مقترح الفريق مما قاد إلى تأسيس مكتب التعاون الأمني الذي تولى الجنرال ايتن قيادته في آذار، كما أدى إلى تعيين الجنرال ديفيد بترايوس لقيادة عملية التدريب منتصف 2004. بعد ستة اشهر من تأسيس مهمة التدريب حصل تغيير آخر، حيث تم تغيير القائد والمدربين واستبدل المنهاج القديم بآخر جديد. هذا التغيير جاء بتنقيحات مطلوبة لتأسيس قوات عراقية جديدة، لكن في نفس الوقت كانت لا تزال هناك الكثير من المشاكل مطلوب التغلب عليها. وبرغم الخلافات بين العسكريين على الارض والمدنيين في واشنطن، فكلاهما كان يتمنى جيشا عراقيا جديدا وما يمكن أن يعنيه ذلك. في آذار 2004 قال الجنرال سانشيز كلما زاد عدد العراقيين في القوات الأمنية كلما استطاعت القوات الأميركية التراجع إلى قواعدها خارج المدن. في الشهر اللاحق ذكرت التقارير أن هناك 45 فوج دفاع تضم 36 ألف فرد من المقرر أن يتسلموا الواجبات الامنية اليومية من الاميركان الذين سيقتصر واجبهم على تقديم الدعم. هذا الامر من المفترض ان يسمح للبنتاغون بتقليص عدد القوات من 130 ألفا الى 115 ألفا، وتقليص قواعد العمليات من 60 الى ثمانية بحلول أيار 2004. كانت تلك اول محاولة جدية للانسحاب من العراق. كان بريمر يشك بقدرة القوات العراقية على القيام بهذا الدور وتبين انه كان على صواب، حيث اندلعت موجة جديدة من العنف في البلاد خلال ربيع 2004.
بعد نقل السيادة للعراقيين في حزيران 2004، خضع تدريب العراقيين الى التعديل مرة أخرى، حيث تنسب الجنرال جورج كيسي كقائد للقوات متعددة الجنسيات في العراق. كما كان على الولايات المتحدة تجميع وزارة الدفاع العراقية. من أواخر 2004 حتى 2005 ازداد عدد فرق الجيش العراقي من ثلاثة إلى عشرة، كما تولى مهام الحرس الوطني في كانون الثاني 2005. كان على الجيش إعادة بناء وحداته بعد تشتتها في 2004. وأسست الوزارة أيضا قوة التدخل العراقية وقوات العمليات الخاصة التي كانت خارج سلسلة القيادة النظامية للجيش. كانت هذه القوات تواجه متاعب في دفع رواتب المنتسبين ومشاكل التجنيد واستبدال الجنود المتوفين او الذين يتركون العمل، كما كانت تفتقر إلى كادر تدريبي، ومليئة بالفساد حيث الترقيات حسب المحسوبية والارتباطات السياسية. أخيرا لم تكن تستطيع تقديم الخدمات اللوجستية لقواتها وكان عليها الاعتماد على الاميركان، وكانت تفتقر الى القدرة على التعامل مع التوسع الحاصل في صفوفها. مازالت بعض تلك المشاكل اللوجستية تواجه الوزارة لحد الآن.  من جانبهم كان الاميركان يواجهون مصاعب أيضا، فقد كانوا يضخون الكثير من المواد في العراق لدرجة انهم لم يتمكنوا من متابعتها، فمثلا لم تتمكن من متابعة 190 ألف قطعة سلاح سلمتها للعراقيين، كما استطاع المسلحون التغلغل في القوات التي تم تجنيدها.  لقد توجهت الولايات المتحدة من حل الجيش العراقي الى محاولة اعادة بناء جيش آخر باسرع ما يمكن. كل الخطط التي رسمتها كانت تتقوض بسبب أحداث على الأرض وكان يجب تعديلها. كما ان العراقيين تم دفعهم في مجال القتال قبل أن يكونوا مستعدين لذلك مما ادى الى الكثير من الكوارث بعد اندلاع العنف في البلاد. لم يتم تشكيل منظمة حقيقية للتعامل مع تدريب وتجهيز ونشر القوات العراقية حتى منتصف 2004 أي بعد عام من الاجتياح. لسوء الحظ لم تكن واشنطن وبغداد تمتلكان الوقت لتخطيط وتطوير هذا البرنامج، جزء من ذلك كان يعود إلى تدهور الوضع الأمني والجزء الآخر يعود إلى ضغط الاميركان من اجل الانسحاب. إن تشكيل جيش عراقي كفء يتولى المهام الميدانية، كان يحتاج إلى المزيد من السنوات من اجل انجاز كل تلك القضايا.
عن: أفكار عن العراق

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بغداد تلاحق مجموعة "يا علي الشعبية" بعد أنباء عن "غرفة النجف" لإسقاط الشرع

فصائل "بلا أب".. رسائل باحتمال ضرب طهران بعد "الحوثيين"

«مسدس ترامب» يثور على «الحوثيين».. هل تعود «وحدة الساحات»؟!

رئيس الحكومة يخيب آمال قيادات الإطار ويسحب "قانون الحشد" من البرلمان

57 بالمائة من مسيحيي العراق في بلاد المهجر

مقالات ذات صلة

سياسية

"الانفصال الشيعي" في العراق: خطة طهران لتجنب "سيناريو الأسد"

بغداد/ تميم الحسن تتصاعد مقدمات عودة "وحدة الساحات"، فيما تتزايد أيضًا احتمالية توجيه ضربات إسرائيلية للعراق، والتي أوقفتها واشنطن في وقت سابق، بحسب وزارة الخارجية العراقية. انهيار "هدنة غزة"، والعمليات العسكرية الأمريكية ضد "الحوثيين"،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram