من أكثر ما تردّد في الآونة الأخيرة على هامش الخلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان بشأن استثمار نفط الإقليم وتصديره إلى الخارج، هو القول بأن النفط ثروة وطنية وملكية عامة للشعب العراقي كله، ولا يحق بالتالي لأحد أن يتصرف بها.
بالطبع فأن المقصود بهذا الـ"أحد" هو حكومة اربيل التي تفاوضت مع شركات أجنبية لاستثمار نفط الاقليم وتصديره، وهو ما عارضته بقوة حكومة بغداد التي عدّت قيام حكومة الاقليم بتصدير النفط عبر تركيا أخيراً "نوعاً من السرقة والتهريب"، مع ان الدستور يبيح لها ذلك.
إذاً، النفط ثروة مقدسة لأن ملكيتها تعود للجميع، ولا يمتلك أيّ كان حق التصرف بها، لكن المفترض أن يكون الناس، أصحاب هذه الثروة، هم الأكثر قدسية ولا يجوز لأي كان ومهما كان وفي كل الأحوال، التصرف بهم واللعب بحياتهم ومصائرهم... تمام؟ طيب، أليس ما أقدمت عليه حكومة بغداد نوعاً من التصرف بحياة الناس عندما أوقفت صرف رواتب الموظفين ومخصصات التنمية في الإقليم؟
حكومة أربيل تتصرف منفردة بالنفط المنتج في إقليمها.. هذا حرام (الدستور يبيحه في غياب قانون للنفط والغاز).. أليس حراماً قبل هذا وقف ضخ حصة الاقليم من الأموال المترتبة عن بيع النفط الذي هو ملكية الشعب العراقي برمته؟
هل كان يتعيّن على شعب كردستان الذي هو جزء من الشعب العراقي مالك ثروة النفط، أن يأكل حجر جباله كرمى لعيون رئيس حكومة بغداد المتخاصم مع حكومة أربيل، وكرمى لعيون البرلمانات الاتحادية المتعاقبة التي لم تشأ أن تشرّع قانون النفط والغاز لتتحدد المسؤوليات والصلاحيات والواجبات والحقوق على نحو واضح وقاطع؟
الدستور يُلزم الحكومة الاتحادية "بادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة" ، ولم يُشر الى الحقول التي استُكشِفت واستُثمِرت لاحقاً وأخذت حكومة اربيل تصدير النفط المنتج منها.
لست خبيراً في القانون أو النفط لكي أُفتي في ما اذا كانت اجراءات حكومة اقليم كردستان سليمة تماماً أم لا (هل كل اجراءات حكومتنا الاتحادية سليمة؟)، لكنني كأي شخص عاقل، لابدّ لي من ملاحظة انه لا شيء يُبرر للحكومة الاتحادية معاقبة شعب كردستان كله وابتزازه ، وهو جزء من الشعب العراقي، بسبب خلاف مع حكومته الاقليمية، ولا شيء يسوّغ لها التصرف بحياة ومصير هذا الشعب فيما هي تندد بتصرف حكومة اربيل بثروة النفط من أجل تأمين لقمة العيش والحياة الكريمة لهذا الشعب.
أولى بالحكومة الاتحادية أن تهتم بالتصرف بالعائدات الهائلة لثروة النفط على نحو يحقق للشعب العراقي الأمن والحرية والكرامة والتنمية والازدهار.. مئة مليار دولار هي هذه العائدات من النفط سنوياً، ولا أثر لها يُذكر في حياتنا .. لا أمن ولا استقرار ولا خدمات أساسية ولا وظائف لملايين الشباب ولا مساكن.. في المقابل فان أحداً لا يمكنه نكران ان حكومة الاقليم توفّر بمستوى معقول لشعبها الذي هو جزء من الشعب العراقي ما نفتقده من البصرة الى الموصل.
حكومة الاقليم ليست مبرأة من الفساد، لكنه فساد "بضمير"، ففَسَدة الاقليم يستثمرون عائدات فسادهم في إقليمهم ويساهمون في تنميته وفي ترقية المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لشعبهم، بخلاف فَسَدتنا الذين يستحوذون على الجمل وما حمل، ولا يريدون أن يرحموا أو يدعوا رحمة الله تنزل على غيرهم، كما جاء في القول المأثور.
النفط بين بغداد وأربيل
[post-views]
نشر في: 28 مايو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
فلاح
اتفق تماما ماجاء فى المقال