حين يتقدم العالم خطوة إلى الأمام نتراجع (نحن ) مع الأسف ألف خطوة الى الوراء ، وعندما يستنشق الناس في هذه المعمورة الهواء النقي الصافي ، يسحب أهلنا أنفاساً يملؤها دخان الحروب والإرهاب ، وفي الوقت الذي يقدم فيه أحدهم وردة لآخر دليلاً للرعاية والتواصل الإنساني الطيب ، يقدم بعضنا مشورة في أصول التطبير ، وعندما يلصق البعض أعلاناً لمعرض جديد في أحد المتاحف ، يلصق احدهم عندنا قنبلة موقوتة في باص مدرسة . هل هناك أكثر هولاً من ذلك ، وهل هناك بشاعة أكثر مما نراه ونسمعه ؟ لقد قتلوا الجمال في الأراضي التي بدأ فيها الجمال ! لماذا قُدر أن يكون هذا الطريق هو الذي يمر عليه بلدنا أو تمر عليه بلداننا في المنطقة العربية ؟ لماذا كل هذا الدخان الذي يحيط الناس من كل جانب ، والإنسان يعيش مرة واحدة فقط ؟ لماذا يحدث كل هذا التنكيل بالناس حيث الشباب والشابات يَرون جمال أيامهم يذوي أمامهم ، فقط لأنهم ولدوا في هذه المنطقة ؟ الأنسان فوق كل شيء مهما كان هذا الشيء ، وهو الذي يصنع المدن والبيوت والجمال والمحبة والأبداع دائماً ، لكنه رغم ذلك ، هو نفسه من أَوجد الحروب والقنابل والديانات والإلحاد والشك في الآخر المختلف ، هو من بنى مجده الزائف على حطام الآخرين ، هو من صنع القتل كما الثقافة ( مثلما فعل ألفرد نوبل حين اخترع الديناميت وجائزة نوبل على حد سواء ) . الإنسان هو من يدير دفة حياته كما يدير دفة موته أيضاً . أ لم يتنكر أغلب أناسنا بجهل ليس له مثيل للتيارات المدنية في الانتخابات الأخيرة وكأنهم يريدون البقاء تحت نفس العباءة المظلمة ؟ ، كيف سيتغير الوضع والأمور تمشي بهذا المنوال ؟ ، كيف ستتغير الأمور نحو الأحسن والناس تكرر نفس الأسطوانة وهم يتظاهرون بالبحث عن حلول لحياتهم ؟ لقد قال أينشتاين مرة ( من الغباء أن تكرر نفس الخطوات التي تقوم بها دائماً وتنتظر نتائج مختلفة ) .
لكن رغم كل هذه التفاصيل التي تمر أمامي الآن وأستنكرها بشدة ، عليّ أن لا أنسى أن الجمال والحفاظ عليه يمنحنا شيء من الهدوء والأمل في حياة قادمة ، بيد أن هذا يبدو من الصعب الحفاظ عليه أيضاً ونحن نراه يتدحرج أمامنا مثل كرة ملتهبة ، مثلما نرى ونقرأ الآن حول تحطيم تماثيل أثرية قديمة في سوريا من قبل الإرهابيين ، كذلك تحطيم تمثال لمريم العذراء ايضاً ! لكني أسأل نفسي ، لماذا أستنكر وأستشيط غضباً على ذلك ؟ لقد حطم هؤلاء الأنسان نفسه ، وكأن الأمر حدثاً عادياً ، اقتطعوا أوصاله ومثلوا به ببشاعة لا توصف ، والحياة تسير في مناطق خضراء وزرقاء برتابة تقليدية . الأنسان يُقتل كل يوم في بلداننا ، وما تحطيم التماثيل سوى عملاً إضافياً يقومون به وقت فراغهم أو أثناء استراحتهم من القتل والتنكيل بالإنسان نفسه .
هنا أود أن أعود الى مواضيعي المفضلة وأقول شيئاً ربما يبدو متطرفاً لكنه حقيقة على كل حال . ففي الوقت الذي أقرأ وأشاهد الإرهابين ( المتدينين ) وهم يفعلون كل ذلك ، أقرأ وأتابع تحويل ( بيت بائعات هوى ) الى متحف في أمستردام ، حيث تم تحويل نادي أو صالون ( ياب يام ) الشهير الى متحف ، هذا المكان المعروف في العاصمة الهولندية بأناقة نساءه الفاتنات وغلاء ثمن الدخول إليه ، أصبح الآن بإمكان أي شخص شراء تذكرة بسعر مناسب والاطلاع ببساطة على تفاصيل هذا النادي الشهير بأرائكه الجلدية البيضاء وباراته وطاولاته المصنوعة من المرمر . وهكذا بفضل هؤلاء الغانيات يكسب البلد آلاف السياح ، بينما نحن نكسب بسبب متدينيننا ملايين القنابل!
حين تتحول دار بائعات الهوى إلى متحف
[post-views]
نشر في: 30 مايو, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
ابو اثير
من السخرية والغرابة على ذكر أستغلال ألأماكن لغرض الترويج السياحي وتدفق ألآلاف من السياح لزيارة العراق بأن يتبؤا منصب رئيس هيئة السياحة في العراق منذ 2006 ولحد ألآن شخصية تابعة لحزب ديني تورط في تقديم قانون ألأحكام الشرعية أي ما يدعى بالقانون الجعفري للأحو