كرّست النتائج شبه النهائية عبدالفتاح السيسي رئيساً لمصر، بعد تحقيقه فوزاً ساحقاً، وإذا كان البعض يعتبر انخفاض نسبة المشاركة سلبياً، فإن السبب يعود إلى أن بعض الناخبين اعتبروا فوزه أمراً محسوماً، ولم يروا فائدة في الإدلاء بأصواتهم، وربما امتنع آخرون لرفضهم التصويت لرجل قادم للموقع من صفوف العسكر، لكن المهم أن الاحتفالات عمّت القاهرة مع بدء ظهور النتائج الأولية، بالطبع كان الفوز مُحتّما للرجل الذي أنقذ مصر من حكم الإخوان، لكن المفاجأة كانت في السقوط المدوي لمنافسه حمدين الصباحي، حيث لم تشهد أي من اللجان الانتخابية البالغ عددها أكثر من 14 ألف لجنة، تفوق صباحي إلا في مسقط رأسه، وكان لافتاً أن الأصوات الباطلة تفوقت على المرشح الناصري الذي غامر بخوضه الانتخابات، رغم يقينه أن المصريين يريدون في هذه المرحلة رئيساً قوياً، يعيد للبلاد أمنها ويخطو باقتصادها نحو العافية.
حصد السيسي أكثر من 23 مليون صوت، متفوقاً على الرئيس المعزول مرسي، الذي حصل في الانتخابات على حوالي 13 مليون صوت، رغم مقاطعة الإخوان والسلفيين الذين لم يلتزموا توجيهات حزب النور وشباب الثورة، إما لأنهم لا يؤيدون صباحي، أو ليأسهم من معاندة القدر المحتوم بوصول السيسي إلى سدة الرئاسة، أما الإخوان فقد "جاهدوا" لإبعاد المصريين عن الصناديق، على أمل حرمان السيسي من الشرعية وإسقاط خريطة الطريق التي يتبناها، وهم بعد إعلان النتائج يدعون إلى أسبوع ثوري، يستمرون خلاله في "نضالهم" ضد جيش مصر وإرادة شعبها التي لفظتهم مرة واحدة وإلى الأبد، وإذا كنا اعتبرنا منافسة صباحي للسيسي مغامرة، فإن إقراره بخسارته وتأكيد احترامه للإرادة الشعبية، دليل على نزاهة الانتخابات التي خسرها بقسوة لم يكن متوقعا أن تبلغ هذا الحد.
المهم أن الانتخابات الرئاسية أكدت شرعية حركة التغيير التي تمت في 30 حزيران الماضي، وإن كان مأمولاً أن تحظى بمشاركة أوسع، فان نتائجها رسالة للغرب الذي شكك في مدى تمثيل أحداث 30 حزيران لرأي الشارع المصري، لكن المراقبين الأوروبيين للانتخابات أكدوا نزاهتها، وإلى مشيخة قطر التي لم تستوعب مدى شعبية هذا التغيير وشرعيته، ولعل الإجراء القانوني المنظم والذي أتى بالسيسي رئيساً، سيكون مقنعا للجميع بأن حكم المرشد وتابعه مرسي، لم يكن أكثر من صفحة سوداء طواها المصريون قبل أن يستفحل أثرها، موجهين لطمة لشيخ الفتنة القرضاوي واتحاده العالمي، المُحتاج قبل غيره للشرعية.
مؤكد أن من غير المكن لأي شخص لا يتمتع بحس وطني عال جداً، التقدم لشغل المنصب الرئاسي في مصر وهي تعيش ظرفها الراهن، فالتحديات هائلة وصعبة خصوصاً في جانبها الاقتصادي، غير أن وطنية السيسي وعدم ارتهانه "لشيخ طريقة" يوجه خطواته، والتزامه بمصلحة وطنه ومواطنيه أولاً وعاشراً، ستتيح له الدعم من القوى المدركة لخطورة سيطرة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين على المنطقة من البوابة المصرية، لكن ذلك ليس كل الحكاية، فهو يحتاج لدعم الوطنيين المصريين ليتمكن من العبور بالبلاد إلى مستقبل مشرق، تتأكد فيه دولة القانون وتُعزز فيه الوحدة الوطنية على قاعدة تساوي الجميع في الحقوق والواجبات، وتُكرس فيه مبادئ تداول السلطة، ويُمنح المواطنون في ظل قضاء مستقل حرية تشكيل الأحزاب السياسية مع ضمان حرية التفكير، ما يسمح بإعادة بناء قوى المجتمع المدني والنقابات، القادرة على الدفاع عن النظام الديمقراطي الوطني، الذي وعد به المشير ويتمناه المصريون.
السيسي رئيساً بإرادة الوطنيين
[post-views]
نشر في: 30 مايو, 2014: 09:01 م