يبدو أننا مطالبون بالاقتناع بأن مشاكل السودان انتهت، بحيث لا أثر لانفصال الجنوب ولا تداعيات لاعتقال حسن الترابي، ودار فور تعيش حالة من الأمن والأمان، والمشير البشير يرسي دعائم المصالحة الوطنية على أساس من العدالة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ولم يتبق مشاكل تعترض حكومة الخرطوم، التي ركزت كل اهتمامها على سيدة سودانية متهمة بالارتداد عن الإسلام والزواج من مسيحي، ما يعني الحكم بإعدامها رغم أنها حامل في شهرها الثامن، خلافاً حتى لأحكام الدستور السوداني الذي وضعه نظام البشير، وكما هو متوقع فان الحكم استدعى ردود فعل دولية منددة، رأت في الإسلام ديناً غامضاً متزمتاً على غير حقيقته، وتلقت الخرطوم دعوات دولية إلى احترام الحرية الدينية، فيما قالت منظمة العفو الدولية إن السودانية الحامل في شهرها الثامن، مسجونة مع ابنها البالغ من العمر 20 شهرا، وطالبت بالإفراج عنها فوراً، وناشدت سفاراتٌ غربية وجماعات مدافعة عن حقوق الإنسان الحكومة السودانية، بأن تحترم حق تلك المرأة في اختيار دينها.
نحن لسنا معنيين بالطبع بالبيان المشترك الذي أصدرته السفارات الأميركية والبريطانية والكندية والهولندية، وأعربت فيه عن " قلقها الشديد" بسبب القضية، وطالبت حكومة السودان باحترام حرية اعتناق الأديان، كما أننا غير معنيين بالبيان التبريري الباهت للمتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية، القائل إن الحكم قد يستأنف في محكمة أعلى، وأن السودان ملتزم بجميع حقوق الإنسان، وأن حرية المعتقد مكفولة بموجب الدستور والقانون، مع تأكيد الثقة في نزاهة واستقلال القضاء، الذي ناور ثلاثة أيام في محاولة لثني المرأة عن قرارها، لكنها صممت على موقفها فحكم عليها بالإعدام شنقاً بعد جلدها 100 جلدة بتهمة الزنا، باعتبار أن زواجها من رجل مسيحي غير صحيح وفق الشريعة الإسلامية، وفي ذلك إمعان في التشدد ليس له ما يبرره.
شكراً لإسلام البشير وقد أخذته الرأفة، فقرر أن الحكم بإعدام السيدة لن ينفذ في الحال، وسيؤجل لعامين بعد أن تضع المرأة الحامل مولودها وتنتهي فترة رضاعته، لكن بشاعة تفكير السجان وفهمه القاصر للإسلام والحرية، دفعته إلى قرار أن تضع السيدة حملها وهي مقيدة اليدين والقدمين، والمهم أن الحاكم الظالم لم يأخذ في الاعتبار أن مريم يحيى إبراهيم اسحق، بحكم تربيتها، ترى بقناعة أنها مسيحية ولم ترتد عن الإسلام، فقد ربيت كمسيحية أرثوذكسية، وهي ديانة والدتها، لأن أباها المسلم كان غائبا في فترة طفولتها، وهو وجه لها تهمة لا تمس دينها فقط، وإنما شرفها حين اتهمها بالزنى وارتكاب الفاحشة، وزاد فاتهمها بالردة، عندما صرحت أنها مسيحية وليست مسلمة.
حادثة المرأة السودانية التي تربت كمسيحية، في بيت سيدته مسيحية تزوجت بمسلم فهجرها، ولم تتعرف إلى ديانة والدها الذي تركها مع أمها دون أي إحساس بالمسؤولية، تدل على أن كل الأنظمة الدكتاتورية التي تتستر بالإسلام، هي أنظمة كسيحة فاقدة لأدنى درجات معرفة هذا الدين الذي تتمسح به، فقط لأنه يجذب بسطاء المؤمنين، واللعنة على نظام البشير الذي ينافس القاعدة وداعش والنصرة والإخوان بالإساءة إلى الإسلام، من حيث الادعاء بالسير على هديه وهداه.
البشير الإخواني القاعدي
[post-views]
نشر في: 31 مايو, 2014: 09:01 م