لا يمكن وصف اجتماع 200 عضو قيادي من جماعة الإخوان المسلمين، يمثلون 20 شعبة من شعب الجماعة، بغير الانقلاب على قيادتهم، وهم يوصون باختيار قيادة توافقية جديدة بدلاً من الحالية التي وصفوها بالتأزيمية، ويعلنون عن تنظيم مؤتمرات مماثلة أخرى خلال الفترة المقبلة، ويتفقون على ضرورة حل أي تنظيم داخل الجماعة الإخوانية، حيث يتهمون القيادة الحالية بإنشاء تنظيم سري يدير شؤون الجماعة، بعيداً عن الأطر المُنتخبة وعن بعض أعضاء القيادة، ولم يكن القرار اعتباطياً، فقد اتخذ بعد مناقشات مطولة للأوضاع السياسية والتنظيمية، بمشاركة إداريين وقيادات في مجلس الشورى وأعضاء في المكاتب التنفيذية السابقة، اتفقوا جميعاً على ضرورة التغيير بهدف مُعلن هو تعديل النظام الأساسي، وإبعاد عناصر التأزيم من مختلف التيارات من المواقع القيادية.
بعد مبادرة زمزم الإصلاحية دار الحديث عن انشقاق يضرب التنظيم الإخواني، لكن ما يجري اليوم هو انقلاب "كامل الدسم"، يترافق مع تأكيد المؤتمرين لموقفهم من العمل في إطار الجماعة، وأن مؤتمرهم لا يحمل أي بوادر انشقاقية بالمطلق، وإنما احتجاجاً على تراجع أداء التنظيم على الساحة الأردنية، والمحاكمة المهزلة لمؤسسي المبادرة اﻷردنية للبناء "زمزم"، التي كان الناطق باسم الجماعة زكي بني ارشيد، اعتبرها فقاعة في فنجان مكسور، واللافت ان مؤسس المبادرة التي أظهرت للعلن ما يدور داخل أروقة الإخوان، لم يحضر هذا المؤتمر الذي تنافس الطرفان المختلفان على اجتذاب المراقب العام السابق عبد المجيد الذنيبات لصفهم، فأعلنت القيادة غيابه بينما أكد المؤتمرون أنه ترأس اجتماعهم، ووافق على توصيتهم بوقف التراشق الإعلامي بين الأطراف المختلفة داخل الجماعة، وفصل عمل حزب جبهة العمل الإسلامي عن هيمنتها.
لم يعد سراً أن الخلافات الحادة في صفوف إخوان الأردن، تنبع من انحياز القيادة الحالية لحركة حماس وتنسيق كل المواقف معها، والاهتمام بشؤون التنظيم العالمي للإخوان على حساب الشأن الأردني، إضافة إلى التأزيم المتواصل للعلاقة مع الدولة الأردنية، بشكل يلغي التأثير الفعلي للجماعة في ساحتها الرئيسة، وليس سراً أن ذلك أسفر عن تذمر القيادات الشرق أردنية، التي تعتبر أن التنظيم بات ذيلياً وتابعاً لحماس، ومرتهناً لقرارات المرشد الأعلى في القاهرة، وكان ذلك واضحاً من مواقف قيادة الجماعة من ما يجري في مصر، وكذلك الموقف الداعم لإخوان سوريا المناوئين لحكام بلادهم، ولو أن ذلك لم يرق إلى المشاركة الفعلية في الحرب الدائرة هناك، ما يعني عند مناوئي القيادة الحالية أن التنظيم لم يعد وطنياً كما يجب أن يكون، وهو يضع الشأن الأردني في ذيل قائمة الاهتمامات، مقابل مواقف عنترية تستعدي الآخرين في الدول المجاورة، دون امتلاك القدرة على التأثير في الأحداث الجارية فيها.
على وقع الهزيمة المدوية لحكم المرشد في مصر، توالت الانهيارات في صفوف التنظيمات الإخوانية التابعة، فقدت حركة حماس الفلسطينية سيطرتها على قطاع غزة، وأقرت بهزيمة انقلابها على الشرعية، وعادت مُجبرة إلى حضن السلطة التي أعلنت عليها الحرب، وشهدت تركيا احتجاجات واسعة ضد حكم أردوغان الإخواني، ولو أنها لم تسفر عن هزيمته بالكامل، وفي الأردن يأتي الانقلاب على قيادة الجماعة بعد انشقاق مجموعة زمزم، ما قد يعني أن على قيادات هذا التنظيم مراجعة استراتيجيتهم جذرياً، والتحول إلى تنظيمات وطنية يستلهم كل واحد منها من الإسلام الوسطي ما قد يحل مشاكل مجتمعه، دون الارتهان لمواقف "عالمية" لا تجدي بقدر ما تستدعي العديد من العداوات.
إخوان الأردن.. انقلاب على القيادة
[post-views]
نشر في: 1 يونيو, 2014: 09:01 م