TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > عراق ما بعد الانتخابات:بقايا أمل في عهدة من لا يخضع لغير ضميره الوطني..

عراق ما بعد الانتخابات:بقايا أمل في عهدة من لا يخضع لغير ضميره الوطني..

نشر في: 1 يونيو, 2014: 09:01 م

تساءل اكثـر من صديق عن سبب توقفي عن الكتابة اليومية، منذ أمد. وعزا البعض السبب إلى أنني انوي ثانية رفع ملف ترشيح المالكي لولاية ثالثة، بعد أن كنت "عراب" الولاية الثانية بامتياز، فكانت الواقعة التي لم يشهد العراقيون أسوأ منها في زمن "محجلة" الديمقراطي

تساءل اكثـر من صديق عن سبب توقفي عن الكتابة اليومية، منذ أمد. وعزا البعض السبب إلى أنني انوي ثانية رفع ملف ترشيح المالكي لولاية ثالثة، بعد أن كنت "عراب" الولاية الثانية بامتياز، فكانت الواقعة التي لم يشهد العراقيون أسوأ منها في زمن "محجلة" الديمقراطية!
هل يساق هذا القول كاتهام ممتد، أم انه تحذير من الوقوع في فخٍ جديد، أم توصيفٌ لما صار عليه السياسي العراقي في مرحلة الفساد المستشري، وانهيار القيم والمقومات الوطنية؟ وقد لا يكون هذا ولا ذاك، بل مجرد استفزازٍ إيجابي، للتحريض على الكتابة، ووَصْل ما انقطع من تداعيات نظامٍ لا توصيف له بعد ان تجاوز كل توصيفٍ وشكّل إذلالاً لكرامة العراقيين، وتمريغاً لتاريخهم الوطني، وتعريضاً باستعدادهم لاسترجاع المبادرة في اعادة ترتيب البيت العراقي، وجعله يليق بالمآثر التي راكمها التاريخ الوطني، وصار من سمو مكانته فناراً للشعوب والقوى المكافحة في سبيل حريتها وتسيدها على مصائرها وخياراتها في التقدم والتطور.
والحال انني انقطعت عن الكتابة لأستعيد وأتمثل ما جرى خلال "سِفر الانتخابات الكيدية" التي لا اعتقد لها مثيلاً في أي بلدٍ جف عرق جبين حكامه وأُولي الأمر فيه، ولم يعد للخجل عندهم، سبب للخجل منه! وقد رأيت لبرهة زمنية ضبابية، أن الكتابة لا قيمة لها في سوق النخاسة السياسية. فليس في هذا السوق من بات يُعنى بالنقد أو بالملاحقة الإعلامية، أو بإتيان البراهين الدامغة على السرقة والتطاول على الدستور أو الفساد بكل صيغه وأساليبه وأشكاله، أو بارتكاب الكبائر والمحرمات. وكيف لي أن ارى غير ذلك، وانا اتابع كل اسبوع ما يكرره خطباء المرجعية العليا في كربلاء والنجف، من "وسائل إيضاحٍ" على فساد الطبقة السياسية الحاكمة، والدعوة الصريحة الى التحرك للتغيير. وكيف لي ان لا أعيد التمعن بعمق في ظهور مرجعٍ من المراجع الاربعة وهو يبكي بحرقة مما آلت اليه البلاد من خراب، وما انتهت اليه حال العراقي من تآكلٍ وقلة حيلة وضنكٍ وسقوطٍ في حبائل احتيال سلطة جائرةٍ، ثم تنتهي شكواه ودموعه، الى ردٍ لم يكن يجرؤ عليه صدام حسين، بشن حملة بوليسية على تلاميذه ومريديه في حوزة النجف!
وكان علي وانا أقلب ما في المشهد الانتخابي، وحوله، وعلى هامشه، وما تمخض عنه من مساخر، وما اذا كان لها شبهٌ في التاريخ، او تذكيرٌ بمآثر قراقوز، أو الحاكم بأمر الله الاسماعيلي الذي منع النساء من لبس القبقاب والناس من اكل الملوخية وزرع العنب، وكان في هذا لا يشبه الا نفسه، كما ان حكامنا تميزوا بأنهم لا يشبهون غير انفسهم وغير ما نحن فيه. أو ان الاشياء التي جرت هي "بنت ساعتنا" الخائبة، لا تذكّر بغير الحالة التي نحن فيها، ولا تنطبق على غير ما نحن عليه، في كل وجه من وجوه السياسة أو انعدام الذمة، والفوضى، واستشراء الفساد ونهب الثروات، وإزهاق الأرواح البريئة.
هل لي ان اكتب اي شيء ينطوي على معنى، دون ان أشعر بالحرج من كم الاستهتار الذي جرى في التعامل مع مظاهر مهزلة ما قيل انه تمثيلٌ لإرادة العراقيين في انتخاباتٍ تشريعية، يُعلن فيها أن منطقة اغرقها الفيضان، وتشرّد أهاليها في اتجاهات بحيث لا احد يعرف مآلهم، وكلهم من مكونٍ واتجاه مضادٍ للحاكم، لم يبق فيها سوى القلة القليلة، ثم يظهر ان "تسعين في المئة" من سكانها شاركوا في الاقتراع، وأن ثمانين بالمئة منهم صوتوا لرأس قائمة دولة القانون ممن يجيّش القوى "لتنظيفها من الإرهابيين"، أو نتائج الاقتراع في "حزام بغداد السني" أو دوائر المنطقة الغربية التي تدور فيها المعركة، كما قال السيد المالكي، بين جيش معاوية وجيش الإمام الحسين!
وأي كتابة تُجدي، وقد انتقلت معالم السلطة، من أيدي الحزب القائد الى حزب العائلة، حيث يسقط في الانتخابات قادة بارزون في حزب الدعوة أمام سكرتير المالكي، زوج كريمته، وزوج الكريمة الثانية، وعصبة من أبناء العمومة والخؤولة! ومن هم الفائزون؟ 
وفي أي اتجاه تنفع الكتابة، والمشهد الساخر يبدو مفتوحاً على فصلٍ محيّر حيث لا ينفع مدافعٌ منافحٌ عن المختار، طلبه "استنساخ" المالكي له لما فيه من إعجازٍ قيادي، فيتهاوى، دون ان يحصل على ما يكفي من الاصوات ليتمكن بها من التأهل لزياراتٍ متقطعة الى البرلمان الجديد، الذي لم ينقطع في سابقه ساعة عن الظهور امام شاشات التلفزيون ليستعرض مآثر القائد الضرورة، ومعه جهابذة دولة القانون وحزب الدعوة ممن لم يحالفهم الحظ بالبقاء الى جوار حاكمية الولاية الثالثة التي ستزيح العراق "بالضربة القاضية" اذا ما هي تحققت وتسيدت، رغم ارادة العراقيين الذين ضاعت أمانيهم في صناديق العبث الانتخابي.
وقد يكون السبب الاهم في انقطاعي عن الكتابة، تجنب الخوض في ما تعنيه التصريحات المتتالية لقادة الظل، ومن قوى التغيير، ومن المجاهرين دون تحفظ ضد الولاية الثالثة، واي قدر من الفعالية لهذه التصريحات، وأي قوة أمضى على حجرها، ولملمة تصريحاتها ومواقفها، وجعلها مجرد هواء في شبك..؟
وها انا اعاود الكتابة، لأعطي معنىً للمحاولة في استعادة الأمل، وإمكانية المراهنة على الضمير الوطني لكل هؤلاء..
وبين الأمل والمرتجى، فيضٌ من الرجاء..!
 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 6

  1. رياض نعمة

    بين بعث صدّام وعبث حزب الدعوة. يضيع العراق!

  2. الشمري فاروق

    ايها العزيز.... انه ليس وقت السكوت .. بل انه وقت الصراخ بوجوه من لا ضمائر لهم وماتت عندهم كل الشيم والكرامات امام السحت الحرام المنهوب من افواه الجياع ومتسولي الجموع المتزايدة عند تقاطعات الشوارع في مدن العراق...من قبل من ضاعت عندهم كل قيم الايمان الدين

  3. شكري العراقي

    استاذي الغالي ابانبيل اسعدنا باطلالتك الكريمةعليناونتمنى لك الصحة والعافية ومزيدمن التقدم والنجاح لك منا كل الحب والتقديروالاحترام

  4. Hussain Al-Hadithy

    صديقي العزيز استاذ فخري، تحياتي و تمنياتي لكم بالخير والنجاح، كل ما اتمناه هو اللقاء بشخصكم الكريم و مرة أخرى في هافانا الجميلة والساحرة. فعلاً انقطاعك عن الكتابة وخاصة في ظروف معقدة تلك التي مرّت ولا تزال تمرّ على وطننا الحبيب، كان اثارة قلق لكل من تابع

  5. علي الكندي

    فقط اقول ... قد أسمعتَ لو ناديتَ حيا ً... لكن ... لا ( حياء ) لمن تنادي ... تحياتي ...

  6. ابو احمد

    لاتعرف مدى شوق الشرفاء من العراقيين الذين ينتظرون تحليلاتكم الرصينة والتي تكشف جزء بسيط مما تخزنة من معلومات مؤكدة من اسرار ديقراطية الحاج ابا اسراء( بطل ماننطيهة) بارك الله فيك وفي فريقكم الرائع كلهم بلا استثناء وامد في عمركم وصحتكم

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram