بدايةً لابد من التأكيد على أن عملية اقتحام المتحف اليهودي في بروكسل وقتل أربعة أبرياء، كانت عمليةً إرهابيةً وعنصريةً بامتياز، وبشعة وجبانة وتستحق كل أشكال الرفض والإدانة والتنديد، وأن مرتكبها يستحق أشد العقوبات، خصوصاً لجهة تنفيذها بدم بارد يؤكد الاستهانة بالحياة البشرية، وكان خبراً مُبهجاً أن يتمكن رجال الجمارك من إلقاء القبض في مرسيليا على بطلها الفرنسي محمد نموش، وهو يحمل رشاش كلاشينكوف ومسدسا كاللذين استخدما في العاصمة البلجيكية ومعهما شريط فيديو يتحدث فيه عن الجريمة، وبين ملابسه قبعة شبيهة لقبعة مطلق النار في المتحف اليهودي، وفقاً لصور بثتها الشرطة البلجيكية التقطتها كاميرات المراقبة، أي كل ما يكفي لإدانته حتى لو حاول الإنكار، وهو يواصل التزام الصمت، مع ضرورة التنبه إلى أن الرجل مسجل عند الأمن الداخلي الفرنسي، على أنه انضم إلى "الجهاديين" في سوريا العام الماضي وأنه كان على علاقة بمنظمة إرهابية.
الرئيس الفرنسي أعلن فور تلقيه نبأ اعتقال نموش أن بلاده ستحارب "الجهاديين" الذين يعودون إلى أوروبا بعد القتال في سوريا، وبشّر الفرنسيين بنجاح خطة التحرك الحكومية التي أقرت في نيسان الماضي لمكافحة الشبكات الجهادية، والتي ستتوسع في الأشهر المقبلة، ما يعني أن علينا انتظار موجة إرهابية تجتاح الغرب بعد عودة حوالي ألف فرنسي وبلجيكي، تقول أجهزة الأمن في البلدين إنهم اشتركوا في "الجهاد" في بلاد الشام، وأن عودتهم لاتعني توقف مهماتهم المبنية في الظاهر على تعاليم الدين الإسلامي، والواضح أن هؤلاء ينحدرون من أصول عربية ولو أن بعضهم ولد في الغرب ونشأ فيه، ويبدو أن التطرف العقائدي تسرب إلى ذواتهم بسبب ما اعتقدوه تمييزاً ضدهم في المجتمعات التي عاشوا فيها، وكان مفترضا أنهم تشربوا أخلاقياتها ومثلها ومبادئها، وأنهم تبعاً لذلك كانوا صيداً سهلاً للتنظيمات الإرهابية المتطرفة التي ضمتهم إلى صفوفها، بانتظار ساعة الصفر التي يحددها الظاهري أو البغدادي أو الجولاني أو غيرهم من أمراء الجهاد.ثمة ما يلفت النظر في تفاصيل ما جرى لجهة سهولة تنفيذ العملية أولاً، واعتقال منفذها على يد رجال الجمارك وهو يحمل معه كل ما يدينه ويؤكد ارتكابه الجريمة، مع أن المفترض أنه لو كان مجرد مبتدئ أو غبياً أن يتخلص من أدوات جريمته وكان ذلك سهلاً بكل الأحوال، ما يطرح سؤالاً عن سبب حملها ونقلها من دولة إلى أخرى، إلا إن كان المطلوب اعتقاله مع أسلحته لتثبيت التهمة وإعلان انتصار الأمن، في عملية استباقية لتحذير أي جهاديين محتملين من التفكير بعمليات مشابهة، وإذا كان الأمر كذلك فإن مخطط العملية تميز بسذاجة مفرطة، إذ أن الأمر مكشوف ولن ينطلي على جهابذة الجهاديين المقيمين في دول الغرب، ويعرفون جيداً كل نقاط ضعفها وأين هي الخاصرة الرخوة في كل دولة، ومتى هو التوقيت المناسب لأي عملية إرهابية ينوون تنفيذها..
أما توقيت عملية إلقاء القبض على المجرم "الضحية" عشية الانتخابات الرئاسية في سوريا، التي يخوض نظامها حرباً ضد مناوئيه المؤيدين من جهاديي آخر زمن، فتلك فرضية تستحق البحث من زوايا أخرى عن خباياها وحيثياتها وأهدافها.
عملية بروكسل إرهابية أم مخابراتية؟
[post-views]
نشر في: 2 يونيو, 2014: 09:01 م