الموت حالة مرضية يمكن أن يعالجها المستقبلالعالم قاب قوسين من إيجاد وسيلة لإطالة الحياة ترجمة/ سليم سوزهتتسابق المؤسسات البحثية العلمية في الولايات المتحدة الامريكية فيما بينها لدراسة الموت بوصفه حالة مرضية وليس قدراً محتوماً على الانسان لا يمكن
الموت حالة مرضية يمكن أن يعالجها المستقبل
العالم قاب قوسين من إيجاد وسيلة لإطالة الحياة
ترجمة/ سليم سوزه
تتسابق المؤسسات البحثية العلمية في الولايات المتحدة الامريكية فيما بينها لدراسة الموت بوصفه حالة مرضية وليس قدراً محتوماً على الانسان لا يمكن الإفلات منه.
تُعـد مؤسسة الكـور الأمريكية لإطالة الحياة ALCOR Life Extension Foundation واحدة من تلك المؤسسات المثيرة للجدل في العالم وليس فقط في امريكا، فهي المؤسسة الاولى من بين اربع مؤسسات عالمية تهتم بتجميد الموتى للمستقبل Cryonics على امل اعادتهم للحياة مرة اخرى باستخدام تقنيات النانوتكنولوجي المتطورة، ثلاث من تلك المؤسسات موجودة في أمريكا وواحدة فقط في أوكرانيا.تأسست الكور في عام ١٩٧٢ في حي الأغنياء المسمى سكوسديل الواقع في مدينة فينيكس، عاصمة ولاية أريزونا الأمريكية وتعــد اكبر المؤسسات واكثرها تطوراً قياساً بالثلاث الأخرى.دخلنا الكور وصُدِمنا بالمستوى التقني العالي الذي تستخدمه المؤسسة في عملية تجميد الموتى، أجهزة ومعدات وحواسيب تعمل بنظام صارم، ناهيك عن الخزانات الكبيرة الاسطوانية الشكل المصنوعة من الحديد، تلك التي تُحفَظ فيها جثث الموتى في درجات حرارة منخفظة تصل الى ١٩٦ درجة سيليزية تحت الصفر من أجل حماية الخلايا من التفسخ.
جاءت فكرة انشاء مؤسسة الكور بسبب حادثة جرت في ستينات القرن الفائت حيث وُجِدَ صبي مجمداً بكامل هيئته تحت جليد الآسكا القاسي بعد ان سقط في بحيرة متجمدة وبقي هناك ثلاثة أيام، اعتقدت الشرطة انه ميّت حين أُخرجت جثته لكنه وبعد ساعات بدأ قلبه ينبض مجدداً وتحركت يداه وقدماه ليعرف الناس بعدها انه ما زال على قيد الحياة وان الجليد قد أوقف قلبه وأعضائه من العمل ولم يقتله.
باستطاعة التجميد ان يُطيل عمر الإنسان من دون قتله، هكذا نشأت فكرة إطالة الحياة عند الكور.
جرّبت الكور عملية التجميد (كرايونيكس) على الحيوانات وبالفعل نجحت نجاحاً كلياً في واحدة وجزئياً في الاخرى حيث جمّدت كلباً حياً لمدة ست عشرة ساعة حتى وقف قلبه وأعضاؤه بشكل كامل واصبح رسمياً في عِداد الموتى الى ان قررت المؤسسة إنهاء التجربة وإعادته إلى الحياة، وبالفعل عاد الكلب الى الحياة مرة ثانية من دون ان ينسى صاحبه. لقد كان فعالاً حيوياً يلعب ويركض كما لو لم يقع عليه شيء اطلاقاً، اما التجربة الثانية فكانت على فأر حيث جُمّد لساعتين فقط وبعدها اُعيد للحياة بشكل طبيعي، لكنه لم يعش سوى ٢٤ ساعةً فقط من عودته، لهذا سميته نجاحاً جزئياً طالما لم يعش الفأر بعدها فترة طويلة.من هنا تحمّست مؤسسة الكور ان تقوم بتجارب كرايونيكس على الإنسان مباشرةً لكنها اصطدمت بعقبة القانون حيث ان قوانين الولاية تمنع القيام بتجارب خطيرة مثل هذه على الانسان وتعــدُّها انتحاراً رسمياً او مساعدة في الانتحار Assisted Suicide، وهذا امر يعاقب عليه القانون حتى لو كان بموافقة الشخص نفسه، لهذا لم تُنفـَّذ تجارب التجميد على اي انسان حيّ حتى وقت كتابة هذا الموضوع.
تنفذ مؤسسة الكـور تجربتها في تجميد الموتى على هؤلاء الذين وافقوا مسبقاً على التبرع بجثثهم الى المؤسسة بعد وفاتهم،ومعظم مَن تم تجميد جثثهم هم من المشاهير كرياضيين وعسكريين ومسؤولين كبار في الدولة. تتم العملية ببساطة شديدة كالتالي: بعد ان يموت المريض رسمياً من خلال تصديق طبيب المستشفى المشرف، يقوم خبراء الكور مباشرةً بسحب الدم كله من جسد المريض واعطائه حقناً ومواد كيميائية لحفظ الجسد من التفسخ والانحلال اضافة الى مواد أخرى تحافظ على الخلية من الاندثار او الموت بسبب الانجماد، ومن ثم توضع الجثة في حوض من الثلج وتبدأ عملية تبريد تصاعدية حتى تصل الى درجة تكون معها الجثة عبارة عن قطعة جليد لا تتحلل ولا تتفسخ، وهذه العملية برمتها تسمى كرايونيكس Cryonics. يجب ان تنتهي كل تلك الاجراءات في التسع الساعات الاولى من وفاة الشخص وفي ذات المستشفى التي يموت فيها كي لا تموت خلاياه واعضاؤه حيث ان خلايا الانسان تبقى حية وفعالة، لا تموت مباشرةً بعد خروج الروح كما هو معلوم.
يُصار بعدها الى وضع الجثة في صندوق معدني محكم الإغلاق ومليء بالثلج ثم يوضع هذا الصندوق مقلوباً اي رأس الميت الى الاسفل وقدماه الى الاعلى داخل صندوق اسطواني اكبر اشبه بثلاجة ضخمة تستوعب اربعة صناديق كحد أعلى، والسبب في قلب الصندوق هو لأن الرأس الجزء الأهم الذي يجب ان يُجمد في حال لم يكفِ النتروجين من تجميد كل الجثة، هذا هو المكان النهائي لتلك الجثث وتحفظ بدرجة حرارة منخفضة جداً الى أمــدٍ غير مُسمّى وحتى تأذن تكنولوجيا المستقبل بفتحه واعادته للحياة مجدداً.
اذا لم نكن قادرين اليوم على ايجاد وسيلة ما لإطالة الحياة او اعادة الموتى، فثمّة امل بتكنولوجيا المستقبل ان تقوم بهذا الامر طالما نجحت تجربتان سابقتان على الحيوانات، وان التكنولوجيا في حالة تجدد وتطور مستمرين، هذه هي فلسفة الكور.
سألنا الموظفة المرشدة التي رافقتنا في صالات المؤسسة عن امكانية نجاح التجربة وعودة الميت للحياة، فأجابت بلغة العالِم الحائر الذي لا يؤكد ولا يقطع إلا بدليل وبيّنة من ان الكور تتوسم بالمستقبل خيراً وتعوّل على تقنياته ان تنجح في اعادة الحياة للجثة سيما وان خلايا دماغ الميت تبقى على حالها، لا تموت ولا تندثر في حال التجميد، وهذا هو الجزء الأهم من العملية. لقد عرفنا (والكلام لها) من خلال التجارب العديدة التي قمنا بها ان دماغ الانسان لا يموت اذا تجمّد بصورة صحيحة، إذ تبقى الخلايا محتفظة بشريط الحياة وقادرة على بث الأوامر والإشارات متى ما تسنّى لها ذلك، لقد راقبنا من خلال اجهزة متطورة جداً ادمغة الاموات وهم مجمّدون ووجدناها بالفعل تعمل بكامل حيويتها ونشاطها وما علينا سوى حفظها وحفظ اجسادها من التفسخ وارسالها للمستقبل عسى ان يجدوا حينها وسيلةً لإعادتها للحياة كما فعلنا مع الحيوانات مسبقاً، انه أشبه بفيلم خيال علمي لكن العلم لا يعترف بالمستحيل ابداً، فالموت بالنسبة للعلم حالة مرضية يمكن البحث في اسبابها ومَن يدري ربما تستطيع تكنولوجيا المستقبل المتطورة إعادة الحياة للأموات طالما لديها دماغ حيّ وجسد كامل غير متفسخ.
كرايونيكس تجربة علمية فريدة واذا نجحت مؤسسة الكور الحصول على موافقة حكومة الولاية على اجراء التجربة على الاحياء، ستكون بحاجة الى متطوعين، فهل سنجد متطوعين "مجانين" يختارون الموت قبل ان يختارهم، لِمَ لا؟ إنه عالم غريب على أية حال!