TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > الـمـــوت فـي ريــعـــان الإبــــــداع..

الـمـــوت فـي ريــعـــان الإبــــــداع..

نشر في: 24 نوفمبر, 2009: 05:45 م

ابراهيم الغالبي ibrahim_alghalby@yahoo.com (البشرية تتألف من أموات أكثـر منها من أحياء) أوغست كونت قد يرى البعض ألا مجال للشك في تلك القصة التي تربط بين كل تواريخ الشعوب وآدابها.. قصة الموت المبكر للأدباء وبخاصة الشعراء منهم. إنها ظاهرة جذبت الانتباه وتركت السؤال الذي لم تُدرك إجابته بعد: لماذا يموت هؤلاء مبكرا؟
ولو أردنا أن نحصي أسماء الأدباء والشعراء الذين رحلوا في الأربعينيات من أعمارهم لخرجنا بسرد لا نهائي لقوائم مفتوحة تتوزع بين شرق الأرض وغربها.. وإذا كان من أسماء ألإبداع العربي يبرز لنا أبو القاسم الشابي والسياب فإن من أدباء العالم ادمون سبنسر وكيتس وشيلي ورامبو ولوركا وبوشكين والبير سامن وادجار ألان بو وجاك لندن واوسكار وايلد وتشيخوف وفرانز كافكا والبير كامو ومايكوفسكي وتراس شفيتشينكو وفردريك شيللر وهارولد فردريك ورينو اكوتاكاوا وو.. إلى آخر لا يمكن سرده وتذكره هنا. هناك عدة تفسيرات محتملة لا يمنع شيء من صدقها جميعا لتفسير ظاهرة الرحيل المبكر للمبدعين هؤلاء الأكثر رقة ورهافة من غيرهم. من ذلك أن المبدع يكون أكثر حساسية واستجابة للتأثر بظروف بيئته وصعوباتها، إن المأزق الذي يعيشه أبلغ في قسوته من مأزق الآخرين حتى مع اتفاقه معهم في نوعية المؤثر الذي يتعرض له، المبدع بإحساسه المرهق وروحه الحالمة وعقله المشغول المتحفز على الدوام يكون أكثر عرضة للتمزق والتشظي تحت غائلة المحن والأرزاء والعلل والأدواء التي تلمّ به فتنخر جسده كما روحه وسرعان ما تتركه حطاما تذروه رياح القسوة والمرارة. وهناك من يرى أن المصائر السوداء هي كالإبداع نفسه فكلاهما منتج القسوة إذ لولا تلك الآلام والمعاناة التي تطول البعض لما عُرِف عن هذا البعض إبداع وعطاء فالإبداع في أصله قابلية إنسانية، وبالتالي تبدو القضية كتحصيل حاصل فأينما يوجد الألم الناتج عن ظروف غاية في الصعوبة وُجِد الإبداع وتكون احتمالات المصير الحالك أكثر تحققا وترجيحا في النهاية. تفسير آخر يذهب إلى أن الموت قد يسهم في تشكيل أسطورة الإبداع ولا أقل من أنه يدفع باتجاه خلع شهرة وذيوع لهذا تبرز أسماء لامعة عبر التاريخ بفضل الموت المبكر أو المتفرد المنوط بحادثة غير متوقعة أو طبيعية كالانتحار مثلا، الشاعر الانكليزي جون كيتس رحل بمرض السل الرئوي في روما عن عمر 25 عاما كان يعتقد انه من أفشل الشعراء على الإطلاق ولم ينل في حياته سمعة وشهرة واسعة كما حصل له بعد وفاته. هناك تفسيرات أخرى لعل أكثرها إثارة القول إن الإبداع في حدوده القصوى كفيل بالقضاء على صاحبه، ولعل قصة موزارت واحدة من بين قصص الإبداع القاتل حيث قضى بعد تأليفه للحن الموت الذي طلبه منه معلمه الحاقد والحاسد له فكان تماهيه في إبداعه سببا لوفاته حيث أجج فيه أقصى مشاعر الحزن والكآبة وقيل انه ذكره بوفاة والده التي كانت بسبب اختيارات موزارت التي لم ترق له. ولكن تبقى هذه القصة محط تشكيك كبير إزاء حقائق عرفت أخيرا عن وفاة الموسيقار العظيم والتي قيل حولها الكثير نظرا لأن صحة موزارت كانت قد تدهورت فجأة ودون مقدمات ليغادر وهو في سن الخامسة والثلاثين بعد تأليفه لأكثر من 600 مقطوعة موسيقية رائعة، فقد نشرت صحيفة الديلي ميل قبل مدة نتائج بحثية لباحثين من النمسا وهولندا وبريطانيا ذهبت إلى أن سبب وفاته كانت عدوى قاتلة من القرن الثامن عشر سببت له التهابا في الحلق، مع ضرورة الإشارة إلى عدم الاختلاف كثيرا على إصابته بالاكتئاب خلال الأشهر الأخيرة من حياته. الشاعر الفرنسي رينيه شار وهو صاحب الواحد والثمانين عاما كان معجبا للغاية برامبو ويرى للموت المبكر تصورا مغايرا فهو يعتقد أن الشاعر الحقيقي يجب أن يموت شابا مثل رامبو وهذا الموت ليس إلا خيار الشاعر نفسه فهو من يقرر الرحيل، رحيل رامبو بحسب شار له أسباب أبعد ما نكون عن فهمها وتتخطى إمكاناتنا المتواضعة لاستيعابها ! وبهذا قد يلتقي مع أصحاب النظرة الفلسفية من أمثال النمساوي أتو فايننغر الذي انتحر وهو شاب تصديقا لاعتقاده الغريب بأن الإنسان يجب أن يموت في ريعان شبابه.. ولكن بطبيعة الحال هناك من يشكك بوجود ظاهرة كهذه أعني الموت المبكر للمبدعين، فمهما كانت الأمثلة لهذا الرحيل وافرة فهي لا تصل إلى حدود الظاهرة الخاصة المتفردة وليس أدل على ذلك من انه في قبال عشرات أو مئات الأسماء الراحلة مبكرا ثمة مئات الأسماء للذين تأخر رحيلهم كثيرا فبلغوا من العمر عتيا، ثم أن الأمور تبقى خاضعة لتلك المعايير أو المفردات التي تعجل بالقدر أو تبعده قليلا أو كثيرا، من يعش طويلا فلعوامل وأسباب تبدو هي ذاتها عند الجميع.. فعلى سبيل المثال كانت سخرية برنارد شو وميله للظرف والفكاهة كفيلة بجعله يعمَّر حتى الرابعة والتسعين دون أن ينضب معينه حتى آخر لحظاته ولعله يقع على النقيض من شيللي المتشائم الضائق بالحياة وأضرابه.. طاغور شاعر الهند وحكيمها هو الآخر عمّر طويلا تحت ظلال زهده وتدينه وحبه للحياة وبالمثل أناتول فرانس ثمانون عاما وهو من النوبليين كان رجل دعة ومرح ويكره الهم والكدح والجهد.. وهكذا لو استقرأنا حياة المبدعين الكبار لوجدناها كحياة الطارئين الصغار بلا فرق كبير في هذا الجانب فأين " أفضلية " الرحيل المبكر و" مفارقته " إذاً؟ ولع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram