1-2
كان أرنست همنغواي متمرساً في صيد الحيوانات الكبيرة المفترسة. هناك صور عديدة له ببدلته الكاكية اللون (لون يتناسب كثيراً مع لون أحراش الغابات)، يحمل بندقيته في أعماق غابات أفريقيا، يطارد الحيوانات الكبيرة الى ملجئها الأخير هناك. ليس من الغريب إذاً، أن يُسقط صاحب "ثلوج كيلمينجارو"، تجربة الحياة المتوحشة على مجالات أخرى في حياته. فمثلاً، عن تجربته في الحرب العالمية الثانية، كتب ذات مرة: "الأمر يشبه أن يرى المرء فيلاً ضخماً". في زمننا الحاضر نرى الحيوان الضخم غالباً في الأقفاص بدل الأحراش، أو نراه يرقص من أجل إمتاع المشاهدين في السيرك. رغم ذلك، حتى اليوم وفي أماكن عديدة من العالم، ما يزال الفيل بالنسبة للأغلبية منا، كائناً يقترب من الأسطورة، معرفتنا عنه تأتي في المقام الأول مما تقوله الاساطير والقصص التي تُروى عنه، والتي تحوله على الأغلب إلى كائن يثير الرعب، كائن غامض وصانع معجزات. بشكل عام، من الصعب على أي منا أن يستوعب جوهر كائن يقترب وزنه من 2.8 طن، له القدرة على تحمل كل التناقضات. هناك طرفة معروفة تتحدث عن ثلاثة فلاسفة عميان، وقفوا أمام الفيل، والذي ظنه كل واحد منهم شيئاً آخر حسب الجزء الذي لمسه بيديه. فهو أفعى بالنسبة لمن لمس الخرطوم، وشجرة بالنسبة لمن لمس الساقين، بينما كان جبلاً بالنسبة لمن لمس ظهره. الفيل يمكن أن يكون كل شيء، لأنه يملك آلاف الأشياء التي تقود إلى أكثر من تأويل. بالضبط مثل الحرب!
ومن أجل وصف الحرب، لابد للمرء أن يعقد هذه المقارنة، لكي يعطي مدخلاً إلى حد ما، مقنعاً بعض الشيء، للبحث بوصف الحرب، اية حرب. تلك المقارنة في الحقيقة شكلت محور النقاش الذي استمر على مدى أربعة أيام، في الملتقى الذي نظمته جامعة هيسين عن موضوعة: "الحرب كتابة وصورة". "تقديم شهادة عن الحرب، أية حرب، يعتبر من أكثر الأمور تعقيداً"، كُتب في كلمة الملتقى. "ليس هناك أحد يرى الأشياء، كما هي حقيقة في الحرب، إذ تلعب العديد من الوقائع الأمر الحاسم: الآمال والبواعث والإختلافات الثقافية الشخصية، بل وحتى إختلافات الضوء تؤثر على إدراك الشاهد وعلى القصة التي يرويها في المحصلة". وذلك على الأقل ما إتفق عليه عشرون متخصصاً في الثقافة كرسوا جهودهم لدراسة صورة الحرب في التصوير الفوتغرافي والسينما والأدب، ودرسوا بصورة خاصة "البعد الأخلاقي للشهادة التي يقدمها من عاشوا الحرب، والديناميكية الجمالية الخاصة، التي تكمن في كل شفرة من الكود الذي تمثله القصة أو الصورة.
"الحروب العظمى لا تنتهي"، كتب ذات مرة الفيلسوف الفرنسي باول فيرليو. والدليل على كلامه، هو صور الحرب العالمية الثانية التي رأيناها من جديد في السنوات الماضية الأخيرة، عندما تم الإحتفال بذكرى الحرب العالمية الثانية في معظم البلدان الأوروبية". الشيوخ الذين كانوا جنودا في تلك الحرب، والذين ظهروا في مختلف البرامج التلفزيونية، تحدثوا عن تجاربهم وذكرياتهم في الحرب العالمية الثانية؛ تحدثوا في كل بلد قصة أخرى مختلفة. "حدث تراجيدي مثل الحرب يحتاج من أجل إعادة صياغته إلى بنى مختلفة"، قالت إحدى المشاركات في الملتقى، الإيطالية فيتا فورتوناتي، في تعليقها على تلك القصص، والتي قدمت لها الدليل الحاسم على أن "الذات الأوروبية هي قصة لذكريات متناقضة".
يتبع
صور الحرب في مؤتمر ألماني
[post-views]
نشر في: 3 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ملاك
كلما يبتعد زمن الحرب تتوضح الصور..كأن الذاكرة تنقل تفاصيل الصورة وكل ما يحيط بها.أما الحروب الحالية وماأكثرها فصورها ضبابية أحيانا تشبه الفيل ومايخيل منه وتشبه النملة أحيانا أخرى.شكرا للكاتب نجم والي ولكل مايتناوله في مقالاته