TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ٦ شهور على حرب الانبار

٦ شهور على حرب الانبار

نشر في: 4 يونيو, 2014: 09:01 م

تنشغل وسائل الاعلام هذه الايام بالكثير من التواريخ، فاليوم الخميس مثلا، كان موعدا لانطلاق رحلة القطار الصيني الجديد من البصرة الى بغداد، وهو قاطرة حديثة فرح الناس بها وحلموا ان يجددوا ذكرى سكة الحديد بمناسبة وصولها، الا ان فيزا الخبراء الصينيين الذين يفترض ان يقوموا بتشغيله تأخرت، وأجلت موعد القطار! ولا تسألوني لماذا لانني مثلكم محتار بأمر هذه الدولة.
غير ان فيزا الخبراء الاميركان الذين يفترض ان يقوموا بتشغيل طائرة الاف ١٦ المقاتلة لن تتأخر كما يبدو، فسفيرنا لقمان فيلي يؤكد اننا سنتسلم اولى هذه الطائرات اليوم الخميس مع كل متطلباتها، بعد ان دفعنا ثمن ٣٦ واحدة منها قبل نحو عامين. وتاريخ الخميس هذا يقودنا الى تساؤلات عديدة بشأن قدرة البيت الابيض على اتخاذ قرار خطير مثل تزويدنا بهذه الطائرات، ونحن لانزال دولة مهلهلة تعجز عن ضبط سد ثانوي في الفلوجة، بينما عجزت الادارة الاميركية عن ممارسة وساطات وضغوط بالحد الادنى حيال من سرق السلطة وراح يتمادى في خرق كل قواعد اللعبة وعبث بنا وجعل داعش وغير داعش تسخر من كل هذه الدماء والمقدرات.
ومن التواريخ المتداخلة التي تهتم بها وسائل الاعلام هذه الفترة، مرور نحو ٦ شهور على المعارك المندلعة في الانبار، والتي ظن اهل السلطة انها يمكن ان تنتهي في اسبوع واحد، وورطونا جميعا بدفع هذه الكلفة، التي لم يكن احد بحاجة اليها سوى من يحتاج الى تعبئة الطائفة وجعلها ترتجف خوفا، فتنسى فضائحه وتصوت له مرة اخرى.
غير ان نوري المالكي لم يكن المجنون الوحيد في هذه الحفلة، فقد استغل بالنحو الامثل، تلك الاخطاء وضعف التنظيم الذي امتزج في احتجاج الانبار خلال اسابيعه الاخيرة، وكذلك قرار حمل السلاح من قبل العشائر، الذي ظل مكلفا للجميع، ولم يحظ حتى باستثمار سياسي حصيف، يفاوض بحكمة، او يعرض مبادراته بجدية.
اننا امام درس كبير من هذه المعارك، وهو ان المتطرفين في الجانبين، اي اصحاب خيار الحرب، لم يحصلوا على التأييد المطلوب من طوائفهم، ولم يتحمس طرف مهم لخيارهم. هذا عدا عن الميزان الاستراتيجي الذي حفظ معادلة "لا غالب ولا مغلوب"، ونبهنا الى أن اخضاع الناس بالسلاح، ينتمي الى زمن ولى مع اهله، ولم يعد ممكنا وفق ترتيبات الوضع العراقي الراهن.
احداث الحرب ظلت تكشف كذلك، ذلك الارتباط العضوي بين الساكنين على شواطئ الانهار العراقية، وأنهم جزء من حقيقة واحدة بمنطق الجغرافيا السياسية، فأي ارتباك في مجرى النهر ومهما بدا صغيرا مثلما حدث في سدة الفلوجة الثانوية، يمكن ان يصيب بالعطش ملايين العراقيين. ورسالة هذا ان الجغرافيا السياسية "ورطتنا ببعض" ولدى التاريخ وقت طويل، اطول مما نتصور، لينتظر ان نتعلم كيف نتعايش ونتدرب على ادارة الخلافات، لا منّة من احد على احد، ولا لمجرد اعتماد اخلاقيات قد يسخر منها البعض، بل لكي لا نعطش!
ان التاريخ يقول لنا ايضا، ان فشل ابن كربلاء وابن تكريت، في وضع قواعد عادلة للتعامل المشترك بينهما، سيعني ان ابن كربلاء لن يحسن التعامل مع ابن البصرة ايضا، كما يعني ان ابن الانبار لن ينجح في تجربة العيش بنحو مثمر مع ابن تكريت. وليست "الوحدة الطائفية" بيتاً صالحاً لردم الخلافات، حتى لو نجحت الطائفة الى حين، في التستر على اسباب الانقسام وإخفاء مظاهره.
لقد رحلت "سما" طالبة كلية الزراعة في الانبار، وراحت تذكرنا بكل العراقيين الذين رحلوا بنحو مؤلم، طوال ١١ عاما مضت، وينبغي للشهور الستة ضمن معادلة "لاغالب ولا مغلوب" في الانبار، ان تذكرنا كذلك بكل النوايا الفاسدة، التي اخرت موجبات التصالح وإبرام التسويات في هذه البلاد، وهي تضعنا اليوم امام اختبارات الحماقة المغلفة باندفاعات وكمّ كبير من الكذب، لدى طرفي الصراع اللذين يعتاشان على جنون بعضهما.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابو سجاد

    طالما هناك صراع طائفي مستمر لايجوز خلق مناخ طبيعي للمصالحة وللاسف ان طرفي النزاع يكذبون في حل بشاْن حل الازمة في الانبار واذا ماانتهت الازمة في الانبار ستبداْ ازمة لربما ستكون اكبر واوسع والحل يكمن في الاتفاق بين السعودية وايران لانهاء الصراع الطائفي الذي

  2. أبوهمس الأسدي

    مسألة تأخر فيزا لدخول الصينيين ؟ واردة جدا واعتيادية ..لحين ماتدفع الشركة الصينية !!طالما أن العراقي لايستلم جوازه الا بعد أن يدفع المقسوم ؟ ولكن هناك ممن لايحتاج للفيزا أصلا ؟ وهم الشركات النفطية التي بنت لها كم سكني بكافة ملحقاته الترفيهية مجاور لحقول

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram