TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > وكان الله يُحبّ المؤتمرين!

وكان الله يُحبّ المؤتمرين!

نشر في: 6 يونيو, 2014: 09:01 م

لستُ عضواً في اللجنة التحضيرية المكلّفة بالإعداد لمؤتمر المصالحة في الأنبار، ولا معرفة لي بأيِّ من أعضاء اللجنة المُفترض أن تكون قد بدأت عملها يوم الخميس بحسب ما أعلن عنه رئيس الحكومة في كلمته الأسبوعية الأربعاء الماضي.. كما لستُ منجّماً أو متنبّئاً، فأنا مؤمن بان المنجمين كلهم والمتنبئين (غير الجوّيين) وقرّاء الكفّ والسحرة كذّابون وضاحكون على ذقون الجهلة.
مع ذلك يُمكنني أن أرسم صورة واضحة المعالم لما سيحدث في مؤتمر المصالحة العتيد من مبتداه الى منتهاه، بما في ذلك القرارات النظرية والنتائج العملية.
ستُحجز قاعة كبيرة في فندق خمس نجوم بكلفة تبلغ كذا مليون دينار، وستُجهز بديكورات الفخفخة المبتذلة وبينها سلال الورد الطبيعي والاصطناعي. وهذا سيكلّف هو الآخر كذا مليون دينار. سيُطلب من الفندق إعداد مأدبة غداء دسمة للغاية، ستكلف مئات ملايين الدنانير، فالمدعوون بالمئات، وهم وزراء وموظفون كبار آخرون من المدنيين والعسكريين، وشيوخ عشائر حقيقيون ومزيفون، واكاديميون وإعلاميون، وستُحجز لبعضهم غرف إيجار سعر الواحدة منها بين 200 و300 الف دينار في الليلة، وتُلحق بمأدبة الغداء مأدبة عشاء للبائتين. وتتضاعف النفقات اذا ما امتدت أعمال المؤتمر لأكثر من يوم.
يُفتتح المؤتمر بآيٍ من الذكر الحكيم، أولها " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا فتذهب ريحكم"، ثم بالنشيد الوطني. بعدها سيتعاقب الخطباء على المنبر: رئيس الحكومة، مستشار المصالحة الوطنية، مسؤولان كبيران آخران أو أكثر، بينهم وكيل وزارة وقائد أمني، وزعماء أحزاب ورؤساء منظمات لا تسمع بها إلا في مناسبات كهذه، وأكاديميون وإعلاميون من النوع "برسم الطلب".. الكلام المرسل من على المنبر الى المايكروفونات وعدسات التلفزيون سيأتي فخماً وقوي اللهجة، ومثقلاً بالأخطاء اللغوية.. سيكون بالطبع مشحوناً بالمعاني المفعمة بالوطنية والبطولة والشجاعة والإيثار واسترخاص الأرواح والدماء.. وكل كلمة ستقال ستُعادل بأكثر من وزنها تصفيقاً وهتافاً.
البيان الختامي للمؤتمر بيان ثوري من الطراز الرفيع (يجب كيت وينبغي كذا ولابدّ من ذا ولا مناص من هكذا)، لكن الموافقين عليه، وهم كل الحاضرين، لن يمهروه بالدم هذه المرة لأنه صار تقليداً "ماصخاً".
يُختتم المؤتمر بالمآدب الموصى بإعدادها سلفاً. بعدها تنطلق مواكب المسؤولين الى حيث أتت، مخلّفة عاصفة من الانزعاج في الشوارع المارة بها .. الانزعاج من الإجراءات الأمنية المشددة في الشوارع ومن أصوات الزمامير المثيرة للقرف.
سيُسهب الإعلام في نقل تفاصيل المؤتمر المبارك،  ويواصل نشر التعليقات لأيام وأسابيع عن "المرحلة التاريخية الجديدة" التي دشنها المؤتمر، والأهمية الفائقة والحاجة الملحة والضرورة الوطنية له .. وبعد شهر سيصبح كل شيء نسياً منسياً.. الى أن يطرح أحدهم من جديد فكرة عقد مؤتمر آخر (هو العاشر أو العشرون) للمصالحة الوطنية ....
أليست بهذه الصورة كانت مؤتمرات المصالحة الوطنية العشرة أو العشرين السابقة؟
.... وكان الله يُحبّ المؤتمرين!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 6

  1. عساكم بخير

    الاستاذ عدنان نحن نشاطرك الرأى القائل والشعبي (تيتي مثل مارحتي جيتي) اي مؤتمر يعقدون الناس اصبحت اليوم لاتنام في بيوتها خوفا وهلها من الجيش والمليشيات التي تقتحم البيوت الامنة بشكل هستيري مجنون والفاظ لم نسمع بها حتى في عهد هولاكو اي مؤتمر وربع الشعب العر

  2. ابو عراق

    الصديق العزيز عدنان....اني من هسه انطيك النتيجه....... هذا المؤتمر مصيره مثل مصير مؤتمر الشرف ما وثيقة خضير الخزاعي.... وابوك الله يرحمه.. فلتعب روحك!!!!!!!!!!!!!!!!!!

  3. متابع

    رحمة لوالديك استاذ ذّكرني بالمؤتمر مال حجي خضير ترة والله نسيت اسمه هم جان علمود المصالحة ،كلي استاذ همه ليش ما يسوهه شغلة عشاير يعني عطوة وفصل والمعكلين ماشاله هواي والناس تدفع فصل حتى أعلى الاوليات مالات طلايب الخلافة والكاتل والمكتول ونخلص من هاي الطلا

  4. ابو همس الأسدي

    ستاذ الشعب لم يتبقى لديه اعتراض على المأدبة أو الفندق ومصاريفه الخيالية ؟ حتى اذا لم توجد حسابات ختامية لعشرة سنوات !!لأن جميع المجتمعين لديهم فقط مخافةالآخرة وهم ملتزمين لتقديم الحساب لحظتها ؟؟ ولكن الناس أكثر مايهمها هو ما سيترتب عن المؤتمر من قطع طرق

  5. هشام الدده ولي

    بويه ابو قحطان شكول للمؤتمر غير---طيط--

  6. عطا عباس

    ملخص المؤتمر( وزبدته ) معروفان سلفا وبجملة واحدة لاغير : ( زبيد بخير ) ... عزيزنا عدنان حسين : انت تعرف قصة الجملة ومناسبتها ، فأنت ليس بعيدا عن زبيد والبو سلطان وملخصها : لا ينقص زبيد شئ عدا الخام والماي والطعام ... والان ايضا نضيف كلمة ( والأمان ) ! وم

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram