للتوّ عدتُ من زيارة إلى البصرة .. لستُ في وارد الكتابة عن "ثغر العراق الباسم"، فهذا كان في عهد مضى وانقضى، والبصرة اليوم لا شيء يتغير فيها بين زيارة وأخرى، حالها كحال سائر مدن العراق الجنوبية والوسطى والغربية، متروكة للبؤس والتخلف ولوساخة الشوارع والدرابين والساحات، ولا كأنها مدينة الشط والبحر والسفن والسمك والنخيل والتاريخ والجغرافيا.. ولا كأنها محافظة النفط الذي يتدفق من تحت أقدام البصريات والبصريين على مدار الساعة نحو أربع جهات العالم، بملايين البراميل وبمئات ملايين الدولارات .. يومياً!
كلما ركبتُ سيارة على الطريق الدولية (السريعة) التي تربط بغداد بالبصرة وتمتد من حدود الكويت الى الحدود مع الأردن وسوريا، سمعت كلاماً يذكّر بانها قد أنشئت في عهد صدام حسين، وانها كانت "مثل الورد" وليست مثيرة للمتاعب والإزعاج كما هي عليه الآن.
محدثك عن هذي الطريق، سواء كان سائق سيارة أو رفيق سفر، يقارن: الطريق كانت ممهدة تماماً محمية الأكتاف، معتنى بخدماتها، فيما هي الآن، في عهدنا الجديد الذي كان من المفترض أن يكون عهداً نقيضاً لذاك العهد المأساوي، مزروعة بآلاف الحفر، وأكتافها مستباحة الى درجة ان من المألوف أن تواجهك مرات ومرات السيارات السائرة في الاتجاه المعاكس. وبرغم الطول الشاسع لها أُنجزت هذه الطريق بالمواصفات العالمية الفاخرة في غضون سنة واحدة، كما يفيد المتحدثون الذين لا يترددون في الإحالة الى طرق قصيرة وجسور صغيرة في مدنهم استغرق العمل في الواحدة منها سنوات عدة في عهدنا الجديد، وسرعان ما تبيّن انها أُنجِزت بأدنى المواصفات وكلّفت مبالغ بأرقام خيالية .. فتّش عن الفساد بالطبع.
المقارنات بين ما كانت عليه الخدمات في عهد صدام المتوحش وما هي عليه في عهدنا الأغبر الراهن تتردد يومياً، في أكثر من محفل ومجال بشري .. الكهرباء كانت تنقطع طويلاً، نعم لكن الكلّ كان يعلم مواعيد القطع ومواعيد الاستئناف .. الحصة التموينية كانت بخمس عشرة مادة وتصل الى الناس في المواعيد المحددة، والآن العدد قد تراجع الى ثلاث فقط، وهي قد تأتي شهراً أو شهرين ثم تنقطع لثلاثة أشهر من دون تعويض عن الحصص المُغّيبة ولا أحد يفسّر للناس لماذا، ووزارة التجارة كأنها لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا انف تشمم رائحة!.. اما النوعية فهي مما لا يصلح الا للاستهلاك الحيواني، (للتسلية وتنشيط الذاكرة أعيدكم الى ما تعهد به رئيس الوزراء في كلمته التي ألقاها بعد أيام قلائل من اندلاع تظاهرات 25 شباط 2011، وهو تحسين الحصة كماً ونوعاً)!
مقارنة من هذا النوع مزعجة، بل موجعة، لكنها مقارنة مُحقّة، فليس بالحرية وحدها يحيا الإنسان.. الحرية بلا لقمة خبز نظيفة وبلا أمن وبلا كرامة، عبودية.
على طريق البصرة
[post-views]
نشر في: 8 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
عطا عباس
عزيزنا عدنان ... حمدا للة على السلامة والعودة من جولتك الممتعة حتما في ثغر العراق الباسم ، فالبصرة الأن كأخواتها من مدن العراق الأخرى تعيش أزهى العصور ، يعني ( كمرة وربيع ) ... وماكتبته في شناشيلك الجميلة اليوم يؤكد لي اننا سائرون على طريق ( ال