عبدالله السكوتيافتخرت حمامة محبوسة في قفص بكثرة فراخها فسمعها غراب فقال لها: كفي ياصديقتي العزيزة عن هذا الفخر فهو في غير موضعه ، ينبغي ان يطول حزنك ، كلما كثر عدد فراخك اذ ترينهن محبوسات في هذا السجن.
هذه الحمامة لم تستطع ان ترى ابعد من سجنها فهو عالمها الفسيح الذي تتحرك فيه بحرية هي تتصورها ، حجم بسيط للحركة جعلها تفرح وتفتخر بفراخها وتحلم الاحلام وتمني جناحيها بالطيران. ان حكمة الغراب المعروفة جعلته يصدم المسكينة ويقتل فرحتها ، رفض البداهة واعتمد على حكمته ، بينما البسطاء – كما يقول علي الوردي – يلوّنون الدنيا بلون ما في نفوسهم ، من ميول ذاتية فاذا احبوا شيئاً ظنوا ان الدنيا جميعها منهمكة في حبه والإعجاب به. هذا التفكير الساذج لا يمكن التحرر منه خصوصاً لدى الحيوانات التي تعتمد على غريزتها في استقبال كثير من الأمور والا تلاشى النوع وخُرّبت الحياة ، ما قيمة ان ينجب خروفٌ خروفاً آخر؟ وهو يعلم ان المجزرة هي موعد للإثنين؟ ما دعا هذا دعا تلك ويشاركهما الانسان هذه الخاصية فهو ايضا يرى ان الانجاب مهمة من مهماته وقد درج عليها مع ما يعانيه من آلام حتى وان كان يعيش في اكثر المجتمعات رقيا فالحياة مدفوعة الثمن سلفا كما تقول غادة السمان ، وثمنها منذ البداية الموت وليس أمراً غريباً اذ الفه الناس فهو يأتي بشتّى الطرق لكن لدينا في العراق تجسَّد – اي الموت – بصورٍ عديدة ومتنوّعة ، منها المؤلمة والأكثر ايلاماً والأخرى بطيئة، والرابعة سريعة كلمح البصر حين تهتز (قمارة) السيارة وترفع معها جلدة رأس السائق وتأخذ بعنق الجالس بقربه ، وهنالك بشاعة لا تتخللها مراسيم جنائزية ولا حزن ظاهر ، اذ الف الناس الحزن واصبح من اوقاتهم العادية ولذا ترى من يضحك حين يرى الجثث وترى الذي يبكي وربما تملكه شعور بالغناء. تعوّد الشعب على مناظر الموت فلا أحد يستطيع ان يراهن على الألم ، فالألم عميق وقديم لدى الشعب وكثير منا رأى جثة في حرب العراق الأولى بقدمين أيسرين أو ايمنين أو برأس محترق ، ربما لا يعود للقدمين وهكذا، مجرد قطع مجموعة عشوائياً المراد منها اقناع الأهل ، والكثيرون كانوا لا يجرؤون على فتح (التابوت) خوفاً من المفاجأة ، ونحن الآن لا نستطيع ان نفتح الجرح، لأننا سنتفاجأ من هول المصيبة وقوة المفاجأة ، ماذا يتبادر لذهنك حين تقرأ في احدى الصحف ، ان العيد على الأبواب وبدل التفكير بوسائل الترفيه والمتعة تقرأ "ان عمليات بغداد تعد العدة لفرض خطة أمنية في بغداد بمناسبة العيد" ، جهود مشكورة واناس دافعوا بنفوسهم ودفعوها ثمناً ، لكن هؤلاء يُقتلون ويسهرون والسياسيون يسرقون جهودهم ، ليعبروا بها نحو التشرذم والتفكك والمطالبة بالمصالح الضيقة المليئة بالكذب والخداع ، لا يمكن ان تترك الساحة مفتوحة للتفكير المريض ، وللنوايا السيئة ، فلندع الحمامة في فرحها ولا نريد حكمة الغربان.
هواء في شبك: لانريد حكمة الغربان
نشر في: 24 نوفمبر, 2009: 06:47 م