TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المسرح والطقس

المسرح والطقس

نشر في: 9 يونيو, 2014: 09:01 م

 

يمكن تعريف (الطقس) على انه (ممارسة وجدانية لفئة من بني البشر بواسطة أداء جسماني وصوتي هدفه التوحيد الروحي) ويمكن تعريف (الطقس الديني) على انه (ممارسة وجدانية لفئة من بني البشر بواسطة أداء جسماني و صوتي والتوحيد الروحي بهدف التقرب الى القوى العليا التي تتحكم بمصائرهم والرجاء منها بأن تعمم الخير وتبعد الشر).
ومنذ الثمانينات من القرن العشرين كان لممارسة أنظمة الأنثروبولوجيا وتركيزها على الإثنوغرافيات وهي الأنثروبولوجيا الوصفية في التسجيلات الخاصة بالطقوس و الدراسات المسرحية وللاهتمام النظري بالعرض والأداء، تطبيقاتها لصعوبة الفصل بين أساليب الطقس عن أساليب العرض المسرحي. حاول الدارسون في دراستهم لحقل العرض بوجه خاص تأسيس اطار نظري لتأثيرات الطقس في المنظور الثقافي المتبادل وفي ذات الوقت آخذين بنظر الاعتبار الترديد الواسع للطقس في الانتاجات المسرحية وشبه المسرحية ومرد هذا التطور راجع الى العمل الانضباطي المتبادل لمفكرين اثنين :
الأول: هو عالم الأنثروبولوجيا (فيكتور تيرنر) الذي طبق مفاهيم الدراما في العمليات الطقسية والتي تستذكر وتجدد او تعالج بنى و أزمات الواقع الاجتماعي.
الثاني: هو الناقد والمخرج (ريجارد ششنر) الذي استكشف الطقوس غير الأوروبية والممارسات المسرحية وادخلها في عمله النظري والتطبيقي. كانت مساهماتها بالتعاون تستجيب للتنظير لأصول المسرح من قبل (معهد كامبرج للانثروبولوجيا)، وبالدرجة الاولى (جين هاريسون) و (غيلبرت موراي) و فرانسيس كورنفورد) الذين افترضوا اشتقاق (التراجيدي) من ممارسة التضحية الاغريقية الاولى و (الكوميديا) من المعربدين المحتفلين بالإله (ديونيسوس) وعبادته الغامضة. وقد اكدت طريقتهم الجينية والخاصة بسلسلة النسب بأن المسرح قد استقى من الميدان الديني بطريقة الحدث الناشئ وهو الرأي الأكثر تأثيراً في القرن العشرين وواجه اخيرا معارضة نتيجة المقارنة الجينية بين المسرح والطقس حيث رأى احدهم ان الفعل الاجتماعي تنمذح وفقاً للعنصر الشكلي لما هو ادائي، وهي نظرة موجودة في رأي (بريخت) عن (مسرح كل يوم) وتوسعت من قبل (ايرفنغ هوفمان) الى نظرية اجتماعية.
لايمكن التشابه بين الطقس والمسرح في الجوانب الشكلية فقط ، حيث ان نظريات انثروبولوجية حالية قد افترضت بأن (الطقس) يحمل صفة قوة التأثير في الاتصال الرمزي. وعلى وفق هذه النظرة فإن ماهو ادائي يمتلك خصال ماهو تقليدي وماهو مستنسخ وماهو مكرر، ويمتلك ايضا قوة تأسيس واعادة تأسيس الواقع. وعند الاستعارة من نظريات (فعل الخطاب) لاوستن وجون سيرل فقد ادعى بعض المعلقين بأن ماهو ادائي يمكن ان يكون قوة تحويلية قادرة على تأسيس الواقع وتغييره وهي فكرة تسري على ماهو طقسي وماهو مسرحي. تقليدياً فأن العروض المسرحية يفترض كونها تفعل فعلها ضمن الاطار المفاهيمي للتظاهر لواقع مفترض اي (لو كان الواقع هكذا) في حين يشتغل (الطقس) بطريقة لها مؤثراتها الفعلية في الواقع المعاشي. وحيث ان كليهما يخضع للتمارين وللتقديم فإن التمييز بين العروض المسرحية و الأفعال الطقسية إلزامي ومع ذلك تبقى اهمية بعض الفوارق. التغيير الحاصل في مفهوم الممثل والمتفرج مثلا، يعتمد على التوقعات والتواصل التي بواسطتها نقترب من العرض. وكما في المسرح البرجوازي الاعتيادي، فان الممثلين والمتفرجين يتوقعون ابتداع وتحصيل تسليمه من الحدث.
 يتبع

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram