ما أجمل التواضع عندما يأتي من الكبار خصوصا ممن أثروا في حياة الناس وعلى جميع الأصعدة، وبالتأكيد فان مجتمع الرياضة هو أحد المجتمعات التي تكوّن المجتمع العام فهناك شخصيات رياضية كبيرة ما زالت أسماؤهم وصورهم عالقة بأذهان الناس حتى وان لم يكونوا رياضيين، بل أن اسماءهم طرقت أسماع عامة الناس بحكم أفعالهم الجميلة، ومن بين تلك الأسماء الكبيرة في فعلها داخل سوح الرياضة وتحديدا على المستطيل الأخضر ممن داعبت أرجلهم ورؤوسهم الساحرة المستديرة ومنحتهم هي الأخرى صيتاً بات جواز مرورهم أينما حلّوا وارتحلوا في أرجاء المعمورة كون الشهرة والأضواء لا يأتيان من فراغ، بل من خلال جهد جهيد وتعب مضنٍ.
لذلك استهواني هذا الأمر لأكتب عن شخصية رياضية أطلّ علينا صاحبها من شاشة قناة الرياضية العراقية وتحديداً في برنامج"تفاصيل"الذي يقدمه الزميل هشام عبد الستار حيث عشت ساعة من الزمن قد تكون الأجمل بحياتي برغم إني لا تربطني مع مقدم البرنامج أو الضيف أية علاقة سوى ما تتضمنه حدود المهنية، فكان الضيف هو اللاعب الدولي كريم صدام الذي لا يختلف عليه اثنان انه أفضل هدافي الدوري العراقي ووصف بعميد الهدافين لإحرازه اللقب أربع مرات لم يتمكن أي لاعب من كسر هذا العدد حتى الآن، فضلاً عن هدفه التأريخي في مرمى منتخب الإمارات عام 1986 الذي أوصل منتخبنا إلى الدور المؤهل لمونديال المكسيك للمرة الأولى بتأريخه بعد أن وطأت أقدامه ارض الملعب في مدينة الطائف بالسعودية في الدقيقة 88 من زمن المباراة بديلاً للاعب حارس محمد ليجد صدام نفسه أمام انجاز عظيم دخل أزاءه التأريخ بتسجيله هدفاً في مرمى الإمارات الذي كان يتقدم بهدفين نظيفين.
إن ما لفت انتباهي وشدّني إلى متابعة البرنامج هو ذلك الأسلوب الراقي الذي تحدث به هذا اللاعب الدمث الأخلاق فقد تحدث بلغة جميلة متواضعة لا يمكن أن أضعها بوجه مقارنة مع لاعبي الجيل الحالي الذي بات الاتصال بهم لأخذ رأيهم بموضوع ما أو قضية معينة في غاية الصعوبة لأنهم لم يتحملوا واقع حالهم الذي وضعهم في التوليفة الدولية أو الاحتراف الذي يعد بائساً في المقاييس الخاصة بلاعبي كرة القدم ليبدو صدام أمام الجميع انه إنسان قبل أن يكون نجماً تلألأ طوال فترة تواجده على المستطيل الأخضر خصوصاً انه الهداف التأريخي لأعرق الفرق العراقية فريق الزوراء، لاسيما بعد أن سأله مقدم البرنامج عن رأيه باللاعبين فلاح حسن وحسين سعيد وأحمد راضي وابتسم كعادته ابتسامة خجولة ووضع نفسه في خانة أخرى بعيداً عن هؤلاء النجوم أمام ذهول مقدم البرنامج الذي حاول جاهداً أن يمنحه قدراً من الدعم المعنوي إلا انه أبى أن يضع نفسه بمقارنة مع زملائه الذين عاصروه واصفاً إياهم (هؤلاء غير) وهنا توقفت قليلاً عن متابعة البرنامج وذهبت ذاكرتي إلى مواقف عدة لازالت عالقة ولا يمكن أن تبرح ذاكرتي على الإطلاق للاعبين في بداية الطريق لكنهم بعيدون كل البعد عمّا تحدث به هذا اللاعب الكبير المتواضع والذي لم يتعكز على ما حققه من انجازات للكرة العراقية واعترف أمام الملأ أن ما قدمه للمنتخب لا يؤهله لمنحه درجة نجاح من 100 وأعطى لنفسه درجة دون النجاح.
إن تواضع الكبار يمنحهم ثقة عالية بأنفسهم ليكونوا على قدر ثقة الناس بهم، وأود أن استذكر حالة حدثت معي لأحد لاعبي المنتخب الحالي من صغار العمر والتجربة ممن يرتدي فانيلة احد الفرق الجماهيرية اتصلت به لإجراء حوار معه لكنه وعدني مرات عدة ولم يتحقق اللقاء الذي سيكون بالتأكيد لمصلحته وليس لمصلحتنا، بل هو مَن سيحتاجها وليتعلم هذا اللاعب من كريم صدام وأقرانه الذين حفروا أسماءهم بأحرف من ذهب في تأريخ الكرة العراقية.
تواضع الكبار
[post-views]
نشر في: 9 يونيو, 2014: 09:01 م