TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أريحية الساسة

أريحية الساسة

نشر في: 9 يونيو, 2014: 09:01 م

يقال إن "أريحية" السياسي وقدرته على احتواء خصومه أحد أبرز  أسباب نجاحه وتحقيق أهدافه   وتتمثل "الأريحية" برسم ابتسامة عريضة على الوجه ، والمشاركة في فعاليات شعبية ،  وحضور نشاطات  ثقافية  ، ومباريات كرة القدم ، وهذا التوجه لا يعرفه  الساسة العراقيون ، فمعظمهم يظهر على شاشة التلفاز وهو  يضع قناع  الجينكو على وجهه ، وكانه خرج قبل دقائق من معركة  استخدمت فيها "الكركات والمكاوير".          
الأوضاع السياسية في العراق ،  وتزامنا مع التحضير للدخول في أشواط تفاوضية لتشكيل الحكومة الجديدة  بحاجة إلى تلطيف الأجواء ، وتقارب وجهات النظر ثم توحيد المواقف  وحسم  الخلافات واجتثاثها،  لغلق الملفات الشائكة وخاصة المتعلقة  بتحقيق مبدأ الشراكة في إدارة البلاد ، وفرص الاتفاق حاضرة  باعتماد "الأريحية " وعندما تكون المصالح الوطنية  فوق كل اعتبار،  ولكن بوجود نزعات  التسلط والاستعلاء والاستحواذ ،سيبدد العراقيون  أعمارهم بانتظار الفرج في بناء دولة  مدنية يسودها القانون ، ويحكمها دستور خال من الألغام وبراميل البارود.
التمسك بالدستور  موقف تبنته جميع الأطراف المشاركة في العملية السياسية ، ولكن التصريحات  في مواسم الأزمات وهي طويلة في العراق ، تأخذ في اغلب الأحيان طابع الاتهامات  المتبادلة بين الشركاء ، فتعطل العمل  بالدستور خشية انفجار براميل البارود ،أو نتيجة التفسير الخاطئ المقصود لبعض مواده ، ولربما  لتحقيق مكاسب لفئة على حساب أخرى ، وعلى مدى  السنوات الماضية وبغياب أريحية السياسي تفاقمت الأزمات ،وتدهورت الأوضاع ، لان دعاة التمسك بالدستور أصابهم الفتور ،  ولجنة تعديلاته  في مجلس النواب ، لم تنجز عملها بعد بمرور دورتين تشريعيتين .  
السياسي العراقي سواء  من شغل منصبا حكوميا أو تفرغ لقيادة تنظيمه ، ورث من أسلافه حب المديح  والشعور بالارتياح والفخر عند سماعه هتاف وتصفيق الجماهير ، وتلقيه يوميا برقيات تجديد  البيعة والولاء ،  وبعض القادة وتعبيرا عن ارتباطه الصميمي  بقواعده الشعبية ،  استعان ببعض الشعراء والرواديد  لنظم  قصائد المديح  والأهازيج ، وسخر فضائيته  للمداحين ،  والممدوح من موقعه ، وفي لحظة الشعور بلذة الاستمتاع بالمديح  يستعيد  قول الخلفاء والأمراء " أعطوه ألف درهم" ، وينفذ الأمر على الفور بخبر عاجل اسفل الشاشة ، وهذا الموقف هو شكل آخر  للأريحية ولكن على نطاق محدود ، لا يخدم المصالح الوطنية .
تعطيل تعديل المواد الدستورية وباعتراف الساسة وكبار المسؤولين احد أسباب  اضطراب المشهد السياسي العراقي ، وعند مراجعة  تصريحاتهم يتوصل المتابع إلى حقيقة وجود نفق مظلم ، الأمر الذي يعني ان الشركاء  بأمس الحاجة إلى "أريحية" والتخلي عن ارتداء أقنعة الوجوه المتجهمة ، تمهيدا لإثبات الجدية في تجاوز الأزمات ، وتذليل العقبات التي تعترض مسار التفاوض لتشكيل الحكومة الجديدة ، وعبور النفق على إيقاع  قصائد المديح، لأنها السبيل الوحيد لحث الساسة على نبذ خلافاتهم ، ثم التوجه لخدمة مصالح شعبهم  انطلاقا من إيمانهم بمبادئ أحزابهم  ومعظمها دينية تعرف الحلال والحرام وتسعى لتحقيق العدالة والمساواة . واضحك تضحك لك الدنيا يا طويل العمر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram