TOP

جريدة المدى > عام > حوار مع الروائية والفيلسوفة ربيكا نيوبرغر غولدشتاين

حوار مع الروائية والفيلسوفة ربيكا نيوبرغر غولدشتاين

نشر في: 10 يونيو, 2014: 09:01 م

تقول ريبيكا نيو برغرغولدشتاين عن لذة الفلسفة (( تصادف يوماً أن وقع بيدي كتاب ( قصّة الفلسفة ) لويل ديورانت وكنت آنذاك في الحادية عشرة أو الثانية عشرة و كان الفصل الخاص بـ ( أفلاطون ) هو تجربتي الأولى في التلذّذ بالنشوة الذهنية و أذكر حينها كيف شعرت أ

تقول ريبيكا نيو برغرغولدشتاين عن لذة الفلسفة (( تصادف يوماً أن وقع بيدي كتاب ( قصّة الفلسفة ) لويل ديورانت وكنت آنذاك في الحادية عشرة أو الثانية عشرة و كان الفصل الخاص بـ ( أفلاطون ) هو تجربتي الأولى في التلذّذ بالنشوة الذهنية و أذكر حينها كيف شعرت أن روحي غادرت جسدي كلياً في تجربة عجيبة عصية على الوصف ..))

نشهد في زمننا الحاضر أثر التطورات الهائلة التي يجترحها العلم و التقنية و نشهد بذات الوقت كيف غيّرت هذه التطورات و بطريقة هائلة فهمنا لكينونتنا الفيزيائية و العقلية إلى حدّ بات فيه من السهل على البعض أن يعدّ الاشتغال الفلسفي فعالية غير منتجة ولاجدوى منها ، وتشخص أمامنا المقولة التي أطلقها الفيزيائي الكبير ( ستيفن هوكنغ ) الذي جادل بقوة و دافع عن فكرته النبوئية القائلة بالموت الوشيك للفلسفة في عالمنا المعاصر ، و لكن الأمر يختلف تماماً مع ( ريبيكا نيوبرغر غولدشتاين Rebecca Newberger Goldstein) : الفيلسوفة و الروائية التي درست الفلسفة في كلية برنارد و حصلت على شهادة دكتوراه في الفلسفة من جامعة برينستون ثم درّست الفلسفة في عدد من الجامعات منها : كولومبيا ، رتجرز ، برانديس ، و حصلت على جائزة ( ماك أرثر ) عام 1996 و كتبت عدداً من الكتب نذكر منها : ( إشكالية ثنائية العقل – الجسد) عام 1983 ( خواص الضوء : رواية عن الحب و الخيانة و الفيزياء الكمية Properties of Light : A Novel on Love , Betrayal and Quantum Physics ) عام 2000 ، ( عدم الاكتمال : برهان و متناقضة كورت غودل ) عام 2005 ( خيانة سبينوزا ) عام 2006 ، ( 36 دليلاً على وجود الله 🙁 36 Arguments on the Existence of God ) عام 2010.
أحدث كتب غولدشتاين : ( أفلاطون في عصر غوغل : الأسباب الكامنة وراء عدم موت الفلسفة Plato at t Googleplex Why Philosophy Won"t Go Away ) الذي طرح في الأسواق في آذار 2014 و يلقي الضوء الكاشف على التقدّم الهائل الذي أحرزته الفلسفة وإن كان غير مرئي غالبا - و بالتالي يبشّر بالقدرة المدهشة للفلسفة على مغالبة موتها المزعوم الذي روّج له ستيفن هوكنغ .
الحوار التالي مع ريبيكا نيوبرغر غولدشتاين منقول من موقعين : الأول أجرته ( هوب ريس و نشر في مجلة ( أتلانتيك ) الامريكية في 27 شباط 2014 و تتناول فيه غولدشتاين مسائل : المناظرات بين العلم و الفلسفة ، الارتقاء الحاصل في الفكر الفلسفي ، و أهمية فهم دور الفلسفة في حياتنا المعاصرة ، أمّا الحوار الثاني فأدارته كاثرين ريد و نشر في موقع ( Harvard Crimson ) في 11 شباط 2010 و تتناول فيه غولدشتاين جوانب شخصية عن حياتها أكثر مما ورد في الحوار الأول .
الحوار
× أعلم أنك قرأت كتاب (قصة الفلسفة) للفيلسوف ويل ديورانت بمحض صدفة غريبة و أنت لمّا تزالين طفلة بعد . أيّة أفكار أولية تشكّلت لديك بعد الانتهاء من قراءة هذا الكتاب؟
- نشأت وسط عائلة يهودية ذات تقاليد دينية أرثوذكسية شديدة التزمّت و كان كلّ فرد فيها ملتزماً بقواعد صارمة إزاء الأفكار الكبرى في الحياة و قد عجبت دوماً كيف اقتنعوا بما كانوا يعرفونه أو بشكل أدق : بما كانوا هم يدّعون أنهم يعرفونه و ذاك هو بداية التساؤل الأبستمولوجي الذي لازمني منذ ذلك الوقت و حتى اليوم . عندما كنت صغيرة كان متاحاً لي دوما أن أقرأ باستفاضة في أي حقل أريد و تصادف يوماً أن وقع بيدي كتاب ( قصّة الفلسفة ) و كنت آنذاك في الحادية عشرة أو الثانية عشرة ، و كان الفصل الخاص بـ ( أفلاطون ) هو تجربتي الأولى في التلذّذ مع النشوة الذهنية و أذكر حينها كيف شعرت أن روحي غادرت جسدي كلياً في تجربة عجيبة عصية على الوصف ، و على الرغم من أن كثيراً من الأمور لم أفهمها آنذاك و لكنّ شعوراً كونياً غمرني و همس في أذني بأن ثمة شيئا خالدا و مفارقا للتجربة اليومية العابرة ينتظم كل الظواهر المتغيّرة في هذا العالم.
× متى كانت بدايتك الأكاديمية الموثّقة في تعلّم الفلسفة ؟
- لم أتصوّر يوماً أنني سأنكبّ على دراسة الفلسفة إذ لطالما أحببت العلم و الكتب العلمية عندما كنت صغيرة ولا زلت اذكر كيف كنت أخرّب محتويات مطبخنا في محاولة إجراء التجارب الكيميائية التي كنت أقرأ عنها تحت عنوان " اصنع بنفسك " . كانت أمامي دوما جملة من الموضوعات التي تشدّ اهتمامي و لكن ما أعجبني في الفلسفة اكثر من سواها أنّك إذا ما أحببتها فلست مضطرّاً إلى التخلّي عمّا سواها لأن أي حقل معرفي يستوجب وجود فلسفة مرافقة له مثل فلسفة اللغة ، الفلسفة السياسية ، فلسفة الرياضيات ،،، و صار واضحاً لي أن كل الموضوعات يمكن لي أن أدرسها في سياق إطار فلسفي مرافق لها.
× كيف كانت عائلتك الأصولية المتزمتة تنظر إلى مسعاك الفلسفي المبكّر الذي تحدثّت عن جوانب منه؟
- كانت والدتي تشعر بعدم الارتياح على الدوام من اشتغالاتي الفلسفية المبكّرة و كانت تطلب إليّ دوماً أن أكون طالبة مجتهدة و لكن من غير هذا الانغمار الزائد في خضمّ المشكلات الفلسفية لأنها كانت تخشى أن لا يقبل أحد بالزواج من قارئة نهمة للكتب مثلي !! و لكن الغريب فعلاّ أنني تزوّجت في سن التاسعة عشرة ، و ما يبعث على الغرابة أكثر أنني لم أنشأ طفلة متمرّدة بما يليق بروحي الفلسفية الثورية بل كنت أتبع كل القواعد و الالتزامات الاجتماعية المقرّرة.
× في أيّة مرحلة مبكّرة ترين أن بوسع الأطفال أو ينبغي لهم أن يباشروا دراسة الفلسفة؟
- بدأت تعليم الفلسفة لبناتي الصغيرات في سن مبكرة جدا ، و تعترف بناتي اليوم أن واحدة من اكثر الأمور إمتاعاً في تعليم الفلسفة هو إدراك الثيمات الفلسفية الكبيرة في الحياة ، و يختلف الأطفال عن البالغين في حقيقة مدهشة و رائعة بذات الوقت : فما يستشعره الأطفال من متعة بالغة عند استكشاف الأطر الذهنية للتفكير يمثّل عند البالغين فخّاً اصطادهم و فرض عليهم قيوده المعيقة الصارمة او هكذا يظنون.
× يضاف إلى هذا أن حب المناقشة و الاستقصاء عادة متأصّلة لدى الأطفال؟
- نعم فلطالما ناقشتني بناتي الصغيرات في كل شيء تقريباً و كنت أتعامل مع آرائهن بغاية الجدّية متى ما كانت طروحاتهن مقنعة و مقبولة و تستند إلى أدلّة جيّدة . يمنح التفكير الفلسفي الأطفال قدرة على نقد الذات و الدفاع عن الآراء الشخصية في ذات الوقت الذي تحترم فيه آراء الاخرين و تؤخذ في جدية كاملة و في إطار من التسامح الجميل و هو الأمر الذي يساعد في خلق مواطنين صالحين بعيدين عن الانسياق وراء الدوغمائية القاتلة ، كما تساعد الفلسفة الأطفال من جانب آخر على التفكير في المنظورات الأخلاقية : فالأطفال لديهم حسّ أخلاقي ذاتي طبيعي و ليس غريباً أن نسمع طفلاً في الثالثة يصيح " هذا ليس عدلاً " !! و تعلّمت أنّ من الممكن تنمية هذا الميل الطبيعي للتفكير بأهمية العدالة و غيرها من الموضوعات الأخلاقية الأساسية المعروفة . يولد الأطفال فلاسفة بشكل طبيعي و فوق هذا فهم يتمتّعون بقدرة هائلة على إبداء المرونة في ما يفكّرون فيه من موضوعات فلسفية ، و تلك مزيّة يفتقدها البالغون على نحو يثير التساؤل و الاستقصاء في جذوره و مسبّباته .
× أية تغيّرات ترين أنها طرأت على المنهج الفلسفي خلال الأربعين سنة الماضية؟
- واحد من اكثر الأمور الحاسمة التي طرأت على المنهج الفلسفي هو ظهور النساء على المسرح الفلسفي و تغيّر بؤرة الاهتمام تبعاً لهذا الظهور النسوي ، ثم هناك ايضاً الزيادة الملحوظة في الاهتمام و التمتّع بالفلسفة و الأدب و استخدام الأدب كمنصّة لعرض المطارحات الفلسفية و تلك مسالة تملؤني سعادة لأنني كنت محسوبة دوماً في خانة الفلاسفة المنغمسين بالفلسفة التحليلية المؤسسة على قواعد شديدة الرسوخ و الصرامة ، لذا فعندما بدأت كتابة أعمالي الروائية المبكرة قال لي الكثيرون في نبرة أسى واضحة : " أووه ما هذا ؟؟ كنّا نظن فيك شخصاً اكثر جدّية"!!
و لكن الأمور تغيّرت اليوم بطريقة حاسمة و صار الناس يتعاطون مع الأدب بطريقة غاية في التوقير و الجدّية و باتوا يرون فيه مجموعة من تجارب فكرية ثرية ( مفردة التجربة الذهنية Thought Experiment ترد غالباً في الأدبيات الفيزيائية و تنسّب في العادة إلى العالم الفيزيائي أينشتين الذي رأى في الخيال وسيلة أهم من المعرفة - المترجمة ) . إن الكثير من التجارب الفكرية المرموقة و المؤثرة باتت تأتي عبر الروايات ، و صار للروايات - و الأدب بعامة – قدرة على الارتقاء بالتطور الأخلاقي للناس و إعادة تكييف مشاعرهم و منظوراتهم الأخلاقية.
× يبدو هذا صحيحاً تماماً : فقد أبانت دراسات حديثة أن قراءة الأعمال الأدبية تقود إلى تعاطف متزايد و ارتقاء ملحوظ في النظم القيمية للأفراد ؟
- نعم بالضبط : فالأدب يغيّر نظرتنا لما يمكن تخيّله ، ولا تفلح الروايات التجارية عادة في استثارة قدرة الناس و رغبتهم في كسر النمطيات الجاهزة Stereotypes التي يقيّدّون أنفسهم بها على العكس ممّا يمكن للرواية الأدبية الرصينة أن تحوزه من تأثير متعاظم ، و قد ساهمت الكثيرات من النساء الفيلسوفات في جلب هذه الموضوعة إلى قلب النقاش المتواصل و تأتي في مقدمة هؤلاء الفلاسفة : مارثا نسباوم Martha Nussbaum التي تقود فكرة تقول أن الأدب في غاية الأهمية من الناحية الفلسفية في وجوه عدة . ثمة حقيقة أخرى ترتبط مع علاقة الفلسفة بالأدب : تلك هي الانزياح المتزايد باتجاه الفلسفة التطبيقية التي ترمي إلى تطبيق النظريات الفلسفية في مقاربة مشكلات الحياة اليومية ، و الأمثلة كثيرة في هذا : الأخلاقيات الطبية ، الاخلاقيات البيئية ، الموضوعات الجندرية ،،، و هذا اختلاف حقيقي عمّا كانت عليه الفلسفة عندما كنت لا أزال يافعة في المدرسة إذ كانت الفلسفة آنذاك نظرية و عصية على التطبيق اليومي إلى حد بعيد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

أوليفييه نوريك يحصل على جائزة جان جيونو عن روايته "محاربو الشتاء"

مقالات ذات صلة

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو
عام

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

علي بدرفي مدينة تتلألأ أنوارها كما لو أنها ترفض النوم، وفي زمن حيث كانت النجومية فيها تعني الخلود، ولدت واحدة من أغرب وأعنف قصص الحب التي عرفتها هوليوود. هناك، في المكاتب الفاخرة واستوديوهات السينما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram