غدت بديهة علمية لا جدال فيها ، انطواء ماهية الإنسان وكينونته على عناصر الطبيعة الأربعة : الماء والنار والهواء والتراب ، الإنسان ، أينما كان وكيفما كان ، من ذوي الدماء الزرقاء او الصفراء او البين بين .
ليس عجبا إذن ، ان تتكور فيه كل مكونات وبؤر التنافر والتآلف والتضاد . يتنازعه الحب كما الكراهية ، ويتقاذفه الرضى والنفور ، ويتجاذبه قطبا الثورة العارمة والهدوء المستكين . والقناعة والشره ، و..و.. إلى آخر قائمة النزعات التي جبلت منها النفس البشرية . ويتماثل فيها الكبار والصغار ، والسادة والعبيد ، والحكام والمحكومون .
ثمة شعور طارئ طاغ مدمر ، يفتك بالذات البشرية كما الداء العضال ، إنه الشعور بالغبن .
الإحساس العميق بالغبن ، يحسبه الجهال هينا وما هو بهين ، لأنه المهماز الخفي لكل ثورة في العالم اقدم عليها الجياع والمحرومون والمهمشون. الإحساس بالغبن لا ينمو ولا يترعرع في بيئة تغمرها شمس العدالة وتسود موازينها مكاييل القسطاس. ويعامل فيها الناس سواسية ، الشعور بالغبن يتجذر في بيئة يتمايز فيها السادة عن العبيد ، الذين يملكون كل شيء والذين لا يملكون شيئا البتة . بيئة يصنف فيها المواطنون درجات : درجة أولى او درجات الحضيض .
يتفاقم ويتعاظم الإحساس بالغبن ، ويغدو مدمرا ، حين تحس إن فرصتك انتزعت منك - دون حق - لتمنح لمن هو دونك كفاءة وخبرة . وإن مكسبا لك ، صار طوع بنان غيرك . وإن ما هو متاح لسواك ، محظور عليك ... الواجبات والأعباء والرزايا يقع وزرها عليك ، والحقوق ومزاياها لغيرك .
حذار .. فكل نبضة إحساس بالغبن ، تتمخض عن عاهة تضخ في ذات المغبون رغبة عارمة بالانتقام .
المواطن في العالم الثالث والرابع، قلما يحظى بفرصة للإنصاف ، فهي إما تستلب منه لتمنح لغيره ، او يحرم عليه نوالها أصلا ، لتغدو حلالا زلالا لسواه .
فرق زهيد بين مواطني العالم المتقدم والعالم النايم! ففي حين يحصل مواطن العالم المتقدم على أرنب إن كان يبتغي ارنبا ،او يحظى بغزال إن كان يروم الحظوة بغزال ، فإن مواطن العالم الثالث يعيش المأزق مجسما : ف.. سواء عليه إن أراد غزالا او أرنبا، دجاجة ام بيضة ، درهما ام ليرة ذهب ، ُإنه في كل الأحوال لن يحصل إلا على خازوق!
إطفاء النار بالنار
[post-views]
نشر في: 11 يونيو, 2014: 09:01 م