TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مذكرات خوذة

مذكرات خوذة

نشر في: 15 يونيو, 2014: 09:01 م

غياب الحكمة واستنادا الى تجارب حية شهدها العراق وبعض دول المنطقة، جعل المؤسسة العسكرية سياسية بامتياز ، فسخرت لحماية امن السلطة وهي في الغالب جائرة ، وصلت الى سدة الحكم عن طريق انقلاب عسكري وبيان رقم واحد ، او عن طريق الوراثة ، وتعديل مواد دستورية في الوقت الضائع ، ليتولى الابن عرش ابيه وسط تأييد جماهيري كبير على حد مزاعم الاعلام الرسمي .
منذ تأسيسه مطلع عقد العشرينات من القرن الماضي ، حرص قادة الجيش العراقي على الابتعاد عن السياسية ، ولكن هذا المسعى اصطدم بعقبات كثيرة والأسباب معروفة ، فزج الجيش في الصراعات السياسية ، وفقد الجيش استقلاليته ، وعندما ترسخت في الحياة السياسية العراقية نظرية الحزب الحاكم دفع الجيش ضريبة حماقات ونزعات أصحاب القرار .
"مذكرات خوذة " ربما تصلح لتكون محاولة لاختزال قرابة قرن كامل من الزمن العراقي شهد اضطرابات سياسية وأمنية ونزاعات مازالت نيرانها تحت الرماد ، يعد الجيش طرفا مهما فيها وعاملا في حسم الأحداث لاحد اطراف النزاع او جعلها لصالح طرف دون اخر ، عندما تمكن المغامر السياسي من السيطرة على الدبابة والتوجه بها الى دار الإذاعة ليعلن البيان رقم واحد .
الاوراق الاولى "مذكرات الخوذة " اشارت الى صفحات سود اخرى ، واستعرضت احداثا ووقائع اصابت المؤسسة العسكرية بالشلل ، وتجاهلت مآثر بطولية سطرها الجيش العراقي في بعض المحطات من تاريخه ، وهي محطات استثنائية حصلت في حالات التحرر من هيمنة السلطة ، واذعان صاحب القرار لمتطلبات الدفاع عن الوطن ، ومثل هذا الاستثناء سرعان ما اصبح طي النسيان ، عندما شعرت السلطة بان الجيش بامكانه ان يصبح عامل تهديد لوجودها.
تستعرض "مذكرات الخوذة" الحرب العراقية الايرانية وكذلك غزو الكويت ،ولعل الصور الابشع تتمثل باستخدام الاسلحة الكيمياوية ضد ابناء الشعب ، وصدور اوامر لتشكيل فرق اعدامات توجه بنادقها الى المنسحبين من جبهات القتل، ودليل الادانية عندما يرى المسؤول عن فرق الاعدامات جنديا او ضابطا برتبة صغيرة تخلى عن "بسطاله" الثقيل ليركض حافيا نحو ملاذ آمن لكنه في لحظة الوصول الى موقع يعتقد بانه سيمنحه فرص جديدة للاحتفاظ بحياته ، يتلقى رصاصات قاتلة ، تدفع أسرته ثمنها ، مع أوامر بمنع اقامة مجلس الفاتحة على روحه.
تقول الخوذة في مذكراتها ان هزيمة الجيش ان حصلت يتحمل مسؤوليتها اصحاب القرار ، ولم يشهد التاريخ العربي محاسبة من كان سببا في الهزائم وباستثناءات قليلة جدا ربما لجأ احدهم وفي لحظة الشعور بالإحباط الى الانتحار وإسدال الستار على صفحة غامضة ، غير قابلة لتسليط الضوء ، فالسلطة المشغولة على الدوام بتحقيق الانتصارات الوهمية عبر الإعلام الرسمي، ليست مستعدة للكشف عن الحقائق في زمن اضطراب الأوضاع ، خصوصا ان الانتصارات المزعومة ، لم ترد في مذكرات الخوذة وروايات البساطيل المتروكة في ساحة المعركة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram