TOP

جريدة المدى > تحقيقات > حي النصر .. لوحة بائسة من صور الحرمان والتخلف والإهمال

حي النصر .. لوحة بائسة من صور الحرمان والتخلف والإهمال

نشر في: 25 نوفمبر, 2009: 04:49 م

بغداد/ شاكر المياح تصوير/ سعد الله الخالدي كنا نروم الوصول الى حي النصر لما اجتزنا منطقة المشتل ودنونا من تقاطع الفضيلية وحي الشهداء، وعلى يسارنا ربض حي البلديات، كان المشهد قد تغير تماما عما كنا فيه، فالشارع العام الرابط لأحياء كثيرة منها: الكمالية والعبيدي والشهداء الثانية كان شديد الغبرة،
وكذلك هو الحال في تلك الأحياء وكأنها غرقت في عاصفة ترابية، فالغبار كان يتصاعد من كل مكان، نتيجة حركة السيارات ومركبات الحمل الثقيلة، والصهاريج والشفلات وغيرها، سيما وان جانبي هذا الشارع ترابيان خاليان من النبت والشجر والزرع، والمنطقة الصناعية في الكمالية المتخصصة بالمواد الإنشائية تسهم بشكل كبير في إنتاج الغبار. وصلنا السيطرة الرئيسة، ومنها دلفنا نحو حي النصر، هنا تغير المشهد ثانية اذ أحيط الشارع بمنطقة واسعة انتشرت فيها الورش الحرفية فضيقته محال للحدادة، وأخرى لتصليح (الصالنصات وكهربائيات السيارات، وأخرى للضلاعة، وصبغ السيارات والسمكرة وتصليح صدور السيارات، ومعرض واسع لبيع الأعمدة الخشبية والحصران المصنوعة من القصب (البواري) توزعت بشكل عشوائي مثلما هي مسمياتها التجارية التي تضمن بعضها أسماء لرموز دينية، والغريب ان ثمة مسجدين كبيرين متشابهين في العمارة والريازة والتصميم التصقا ببعضهما كأنهما توأم سيامي. في جولتنا هذه كنا بصحبة مفرزة عسكرية بقيادة الملازم (نزار جبار) تابعة الى الفوج الثالث من اللواء الثامن، الفرقة الثانية من الشرطة الاتحادية حتى أتممنا مهمتنا. حي الانكفاء وليس النصر لا ادري كيف يتسنى للمسؤولين سواء في الإدارات المركزية او المحلية إطلاق التسميات على الأحياء السكنية وهي على غير مسمياتها؟ فحي النصر لا يوحي بان هناك نصرا ما قد تحقق لا في الماضي القريب ولا في الحاضر، فكل شيء فيه ينبئ بالانكفاء النفسي والاجتماعي، وكذلك مدينة الحرية التي لا حرية فيها، وحي الزهور (الحسينية) التي ظلت عصية على إنبات شجرة واحدة او فسيلة نخل او زهرة سوى (الشوك والعاقول والطرطيع) والطحالب، وغيرها من التسميات الغريبة والمتشابهة أحياناً مع تسميات لأحياء أخرى بعضها حملت اسماء لرموز دينية ربما تسيئ اليها. مدخل حي النصر غريب في تكوينه وتشكيله، فهو عبارة عن شارع عرضه ثمانية أمتار وطوله أكثر من كيلو متر، الغرابة تكمن في انه تحول بقدرة قادر الى سوق في الهواء الطلق لا اختصاص له، فكل البضائع تباع فيه بدءا من أحشاء المواشي والأسماك وانتهاءً بالأقمشة والألبسة واللوازم المنزلية والمواد الإنشائية، اختلط فيه الحابل بالنابل، مزدحم بالمتسوقين، رجال ونساء، شيوخ وشباب وأطفال، تتلاصق فيه الأجساد وتتلامس الأكتاف ببعضها حتى تصل حد الاحتكاك، كنا نجد صعوبة بالغة ونحن نحاول المرور فيه. امرأة طاعنة في السن افترشت الأرض وأمامها كومة من الأسماك الصغيرة (زوري) فاحت منها رائحة التفسخ سألتها: * كم هو رأسمالك؟ - (خمسطعش الف دينار) * كم تربحين في اليوم؟ - (ثلثتالاف.. لو الفين ونص) * أو يكفيك هذا المبلغ؟ - (جا شعدي.. العصر آخذلي زويريات انكليهن آني وشايبي وناكلهن) كنت أغالب نفسي التي باتت تواقة الى التقيؤ بسبب تفسخ (الزوري) وانا أجاذبها الحديث: * هل لديك أولاد؟ - بنتان متزوجتان * الا تبديان لكما شيئا من المساعدة؟ - أبداً على الجهة الأخرى من السوق وقفت امرأة أربعينية خلف صينية كبيرة تكدست فيها أحشاء المواشي والأسماك وقد وضعتها على محمل حديدي، كانت هي الأخرى تنش الذباب عن بضاعتها اقتربت منها وسألتها: * من أين تحصلين على بضاعتك هذه؟ - (من الكصاصيب وبياعة السمج) * هل أنت متزوجة؟ - (ايه.. انكتل بالتفجيرات كبل سنتين وعدي ثلث ولد بالمدارس) * هل هناك إقبال على شراء ما تعرضين؟ - (الفقراء فقط) وهنا تذكرت قول الإمام علي عليه السلام المأثور: (لو كان الفقر رجلا لقتلته). ونحن ندرج نحو قاع هذا السوق العجيب استوقفت الشاب: (واثق) يعمل موظفا في إحدى الدوائر الرسمية ورفض الكشف عنها قال: في محلة 771 ومنذ سنتين تم ربط أنابيب مخصصة لمياه الشرب من دون ربط الأنابيب الفرعية التي توصل الماء الى المنازل، كما ان المنطقة تفتقر الى متنزه واحد وبهذا الصدد قدمنا طلبات للمدير العام في بلدية بغداد الجديدة ولم يلبّ ايا منها، وكان من المقرر أيضاً فتح مجار سطحية للمنطقة غير ان العمل لم يكتمل حتى الآن، وقبل انتخابات مجالس المحافظات تم توزيع عدد من الحاويات كجزء من حملة المدير العام الانتخابية الا انه لم يفز، كان عدد الحاويات المتسلمة من قبل المديرية 12000 حاوية لم يوزع منها سوى الفين فقط وللمعارف حصرا، اما المدرسة القريبة من السوق فالزحام فيها على أشده، الصف الواحد فيه أكثر من خمسين طالبا، والمستوصف الصحي اسم بلا دلالات او مسمى فلا وجود للأدوية فيه، وحتى سيارة الإسعاف هي الأخرى لا تسعف المرضى الا بعد إحضارهم الى المستوصف بأية واسطة نقل سواءً كانت سيارة او عربة دفع والكشف عن حالته الصحية، ويلفت الى ان الشارع الذي نقف على أرضيته المتهالكة تم تبليطه قبل شهرين وسرعان ما تآكلت طبقات الإسفلت. محاضر ذهبت في مهب الريح الشيخ (سعد المحمداوي) قال: شكلنا وفدا برئاستي وعضوية عدد من وجهاء المنطقة والتقينا بأمين بغداد الدكتور

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram