قبل ساعات قليلة من إعلان الغزو الأميركي للعراق ، ونقل الفضائيات إسقاط تمثال صدام الواقع في ساحة الفردوس ، اختفى اثر مجموعة من الفنانين كانوا يقدمون الأناشيد والاهازيج الموجهة الى أبناء الشعب لرفع معنوياتهم ، وتدعوهم الى الالتفاف حول القيادة الحكيمة لدحر العدوان الأميركي ، وعلى إيقاع فوت بيها وعالزلم خليها" كان الحديث بين الاوساط الاعلامية المحلية يدور عن حفر مقبرة للغزاة العلوج على مشارف العاصمة بغداد ، ومع تسارع الاحداث وظهور دبابات المحتلين في الشوارع ، اختفت الفرقة الغنائية المختصة برفع المعنويات مع المشرفين عليها ، واستبدل اعضاؤها الزي الزيتوني بالدشداشة.
العراق هو البلد الوحيد في المنطقة ارتدى ابناء شعبه الزي العسكري لسنوات طويلة ، والإعلام الرسمي لكثرة بثه أغاني المعركة ، تحول الى دوائر تجنيد لاستقبال "المتطوعين الصناديد" المستعدين للقتال في الأستوديو ، وإظهار الشجاعة عبر شاشة التلفزيون ، بحمل الكلاشنكوف ،وارتداء الزي العسكري ، ويسجل للمطرب الراحل سعدي الحلي انه غنى للشاعر محمد علي القصاب أغنية " دنك يا حلو ليلوحك القناص " فانتشرت أغنيته ، وأثارت غضب القيادة الحكيمة ، ولولا تدخل وزير الدفاع في ذلك الوقت عدنان خير الله لنفذ حكم الإعدام بحق الراحل الحلي .
للأشقاء المصريين تجربة مع اغنيات المعركة نقلوها الى بلدان عربية فاستقبلها العراق بتكرار بثها وتقليدها ، ويروى احد المطربين من فرقة أبناء الريف في التلفزيون انهم في مطلع سبعينات القرن الماضي، تلقوا اوامر من مسؤولين إعلاميين ، تقضي بتقديم اغنيات وطنية تشيد بالثورة والقيادة الحكيمة وتسلط الضوء على المنجزات والمكتسبات ، ويقول المطرب المتقاعد انه شارك زميله الراحل عبادي العماري في حفلة أقيمت بمعسكر التاجي حضرها كبار الضباط فضلا عن مسؤولين حزبيين ، وكان العماري لا يحفظ شيئا من الشعر ينسجم مع التوجيه الثوري الجديد، وأثناء تقديم الوصلة الغنائية انهى العماري بيت الابوذية بقفلة اعجبت الجميع عندما قال "حزب ثوري وقيادة يعربية " فارتفعت الاصوات المطالبة بإعادة القفلة ، وحصل العماري على مكافأة مالية قدرها 15 دينارا انفقها الرجل في اليوم التالي بإقامة وليمة في نادي العمال في الصالحية ، لأعضاء الفرقة من المطربين والعازفين ، وأثناء الجلسة حصل على قصائد جديدة تلبي رغبة المسؤولين الإعلاميين في الإشادة بأصحاب القرار .
اغنية الحلي بصرف النظر عن مستواها الفني ، وظروف تسجيلها عبرت عن الرفض الشعبي للحروب ، اما اغنية العماري فعكست توجها اخر، حتى اصبح ظاهرة سائدة في الاغنية العراقية رسخها الاعلام الرسمي ، ثم الحزبي ، تصلح لكل المعارك بوصفها خطابا موجها يهدف الى تحشيد كل الجهود لتحقيق الانتصار للحزب الثوري وقياداته اليعربية ، والاطاحة بالخصوم من اعداء الداخل والخارج .
سياسيون ومسؤولون ظهروا بالزي العسكري عبر شاشات فضائياتهم لاعلان استعدادهم لمواجهة الجماعات الارهابية ،في محاولة للتفوق على العراقيين بكل اطيافهم الذين تطوعوا للدفاع عن وطنهم من الهجمة الهمجية ،بوقفة واحدة لا تقبل المزايدات ، وتحقيق المكاسب الحزبية والشخصية على حساب إراقة الدماء ، العراقي اليوم يدافع عن كرامته وحريته ، لا يخشى" قناص داعش" ،وفي الوقت نفسه يتطلع الى توطيد النظام الديمقراطي بضمان حياة سياسية مستقرة ، ووطن معافى خال من الأزمات وحماقات المتشبثين بالسلطة.
أغاني المعركة
[post-views]
نشر في: 16 يونيو, 2014: 09:01 م