TOP

جريدة المدى > عام > القسم الثاني من حوار مع الروائية والفيلسوفة ريبيكا غولدشتاين:أفلاطون فـي عصر غوغل

القسم الثاني من حوار مع الروائية والفيلسوفة ريبيكا غولدشتاين:أفلاطون فـي عصر غوغل

نشر في: 17 يونيو, 2014: 09:01 م

تقول ريبيكا نيو برغرغولدشتاين عن لذة الفلسفة ( تصادف يوماً أن وقع بيدي كتاب "قصّة الفلسفة"  لويل ديورانت و كنت آنذاك في الحادية عشرة أو الثانية عشرة  و كان الفصل الخاص بـ ( أفلاطون ) هو تجربتي الأولى في التلذّذ بالنشوة الذهنية و أذكر حينها

تقول ريبيكا نيو برغرغولدشتاين عن لذة الفلسفة ( تصادف يوماً أن وقع بيدي كتاب "قصّة الفلسفة"  لويل ديورانت و كنت آنذاك في الحادية عشرة أو الثانية عشرة  و كان الفصل الخاص بـ ( أفلاطون ) هو تجربتي الأولى في التلذّذ بالنشوة الذهنية و أذكر حينها كيف شعرت أن  روحي غادرت جسدي كلياً في تجربة عجيبة عصية على الوصف..)
نشهد  في زمننا  الحاضر أثر التطورات الهائلة التي يجترحها العلم و التقنية و نشهد بذات الوقت كيف غيّرت هذه التطورات و بطريقة هائلة  فهمنا لكينونتنا الفيزيائية و العقلية إلى حدّ بات فيه من السهل على البعض أن يعدّ  الاشتغال الفلسفي  فعالية غير منتجة  ولا جدوى منها ، و  تشخص أمامنا المقولة التي أطلقها الفيزيائي الكبير ( ستيفن هوكنغ ) الذي جادل بقوة و دافع عن فكرته النبوئية القائلة بالموت الوشيك للفلسفة في عالمنا المعاصر ، و لكن الأمر يختلف تماماً مع الفيلسوفة والروائية ( ريبيكا نيوبرغر غولدشتاين Rebecca Newberger Goldstein)  
(لمعلومات أوسع عن الفيلسوفة والروائية  غولدشتاين يراجع القسم الأول من الحوار في ثقافية المدى)
×  في كتابك الأحدث المعنون (أفلاطون في عصر غوغل : الأسباب الكامنة وراء عدم موت الفلسفة) تردّين على النقد القائل بان الفلسفة  لا تشهد ارتقاء مماثلاً للارتقاء المتسارع في الحقول الأخرى ، كما تردّين على الذين يروّجون لهذا النقد بالمثال القائل أن أفلاطون يعدّ شخصية مهمة و مؤثّرة في الفلسفة كما كان على الدوام خلال العقود المنصرمة و هذا ما لا يحصل في العادة مع الشخصيات في الحقول المعرفية الأخرى التي يطالها الوهن مع مرور الوقت؟
- هناك  قناعة راسخة لدى أوساط الاكاديميين و العامّة أن الفلسفة لا تملك الوسائل اللازمة لتوفير إجابات للمشكلات التي تعترضنا ، و أن كل ما تفعله هو أن تكتفي بوضع المشكلات في إطار مقبول و تنتظر وصول العلماء إلى الإجابات المقبولة ، و ثمة - من ناحية أخرى -  ميل لدى بعض العلماء يمكن وصفه بكونه " ميلاً مضاداً للفلسفة " إلى حدّ أنهم باتوا يأنسون لفكرة التبشير بقرب موت الفلسفة . الحق أننا شهدنا الكثير من معالم الارتقاء الفلسفي و لكنه في العموم ارتقاء عصيّ على المعاينة المباشرة ، و يكمن السبب وراء هذا التناقض الإشكالي أننا نستخدم الوسائل الفلسفية ذاتها في الإطلالة على العالم الذي نشهد ارتقاءه في كافة الحقول المعرفية ، و في العادة يكون من الصعب تماماً أن نشهد الارتقاء في وسائط الرؤية بل يحصل ان نكتفي برؤية الارتقاء فيما نحن نطل عليه !! . لنتحدّث قليلاً بشأن أفلاطون : أرى ان الرجل كان سيطاله العجب و تتملّكه الدهشة لو عرف بالمديات التي ارتقينا إليها اليوم لا في المستويين العلمي و التقني فحسب بل في ذات الحقل الأخلاقي الذي يعدّ ميدان اشتغاله الأرحب و الأحبّ إلى نفسه ، و لكن يحصل في العادة أننا نتعامل مع الكثير من الأفكار كما لو كانت افكاراً معلّبة و جاهزة الصنع ، و إن أفكاراً مثل : الطبقة ، الجندر ، الدين ، الإثنية ، تبدو غير مؤثرة متى ما تعلق الأمر بالحقوق الفردية التي لها الأسبقية و العلوية على ما سواها ، و لكن الأمر مختلف بقدر ما مع افلاطون فقد وضع الرجل عبارة في ( جمهوريّته ) تستبطن مفهوم العدالة و المساواة بالقول أن "على كلّ فرد في الجمهورية أن يعامل جميع الإغريق بذات الطريقة في المعاملة" ، ولكن لم يكن ليمرّ بباله هل ينبغي لهم أن يعاملوا البرابرة ( غير الإغريق ) بذات الطريقة !! . إنّ من المدهش للغاية معرفة كم نحتاج من وقت للارتقاء في أي حقل معرفي و لكننا نرتقي في نهاية المطاف ، و في العادة فإن أفكارنا الفلسفية و ما تترتّب عليها من مواضعات هي التي يطالها الارتقاء أولاً و من ثم تتبعها الفعالية البشرية و الحراك الاجتماعي و العواطف الجامحة و الدافعة باتجاه التغيير الاجتماعي اللازم لإنجاز الارتقاء في أيّ حقل معرفي.
×  هل تلمحين تغيّراً ما طرأ في شعبية الفلسفة هذه الأيام بالقياس عمّا كانت عليه أيام دراستك لها ؟
-  الفلسفة لن تموت كما أرى ، لكن هذا لا يعني أبداً أن شعبيتها و قدرتها على استثارة التساؤل و الاستقصاء لم تنحدرا عمّا كانتا عليه من قبل ، فقد بات طلبة كلياتنا اليوم أكثر ميلاً للبراغماتية الطاغية و اقلً تعلقاً بالرؤى الفلسفية التي كانت تفجّر الثورات من قبل ، كما أن الطلبة باتوا يلهثون وراء وظائف عالية الدخل تؤمّن لهم الغنى السريع و لم يعودوا يفكّرون بشيء غير هذا .
× ما التساؤلات التي ترين فيها الموضوعات الفلسفية الأعظم في عصرنا الحالي؟
- يطرح النمو المتعاظم في المعرفة العلمية تساؤلات فلسفية جديدة على الدوام ، من أمثلة : العوالم المتعدّدة ، من نكون في الكون ، و لا زالت الفيزياء تمطر عقولنا كل يوم بوابل من أمثلة هذه التساؤلات الفلسفية المدهشة إلى حد صار فيه بعض هذه التساؤلات يصنّف بانّه واقع في الفضاء الملامس للاشتغالين العلمي و الفلسفي في ذات الوقت ، و تطرح التطوّرات الهائلة في العلوم المعرفية و العصبية Cognitive Science & Neuroscience آفاقاً واسعة أمام الاشتغالان الفلسفية التي تتمحور على أسئلة من نوع : من نحن ؟ و كيف نتعامل مع موضوعة الحتمية و الإرادة الحرة ؟ و هي امتداد للاهتمامات الفلسفية التي شغلت الفكر الفلسفي منذ نشأته و حتى اليوم.
× نشرت كما نعلم كتابين غير روائيين ، و سبع روايات ، و عدداً من القصص القصيرة . ما الغرض الأساسي الذي يكمن وراء كلّ ما كتبت ، و ما الذي تطمحين أن تفعله كتاباتك في القارئ؟
-  طموحي في جميع  أعمالي الروائية و غير الروائية هو أن أثير الرغبة في البحث الشغوف عن التساؤلات العميقة في حياتنا ، و أرى أن الفصل المصطنع بين التفكير و الشغف أمر سيئ للغاية و لا أطيق ذلك الهراء الذي يلهث وراءه بعض الكتّاب المهووسين بالفكرة القائلة "إن الذين يطرحون أسئلة عميقة وبالغة الجدية هم في أشدّ الحاجة إلى امرأة تلقّنهم لغة المشاعر الدافئة و تطري وجودهم الكئيب بلمستها الحانية " . التفكير بذاته فعالية باعثة على الشغف ، أما مسألة الحاجة إلى امرأة فالكل يحتاج وجودها بجانبه سواء أكانوا يفكّرون في أكثر الأسئلة عمقاً أم لا يفعلون.
×  لنتحدّث قليلاً عن انتقالتك من الفلسفة إلى الرواية . ما الذي دعاك إلى هذه الانتقالة؟
-  في سنة ما واجهت  الكثير من الهيجان العاطفي : فقد توفّي والدي وولدت ابنتي الأولى في ذات السنة وهكذا كان عليّ أن أواجه الأسئلة الكبيرة والجوهرية عن الموت و الحياة و الولادة و تلك أسئلة لم أكن مدرّبة على التعامل معها بجدّية لائقة بسبب من خلفية دراستي الفلسفية التحليلية الصارمة . عندما كنت في الكلية درست الكثير في موضوعات فلسفة العلم و المنطق الرياضياتي  و لكن الغريب أن أحد الطلبة في ذلك العهد لو تجرّأ و سأل " ما المعنى من وراء كل ما نفعله هنا ؟ و لماذا نحن في الكلية ؟ " لكان سيواجه حتماً بعاصفة من الازدراء و السخرية !! لأننا لم نكن نتدرّب جدياً على التعامل مع الأسئلة الكبرى في الحياة بل كنّا ننغمس في تفاصيل نظرية بالغة الصرامة و الدقّة و هي على أهميتها لم تكن لتكفي في شحن بطاريتنا المعرفية و الانطلاق في المغامرة الوجودية الساحرة بكل ما تضمره لنا من مفاجآت غير محسوبة أو متوقّعة.
×  يوصف ( كاس سليتزر Cass Slitzer ) و هو الشخصية المحورية في إحدى رواياتك بأنه " غير المتديّن الطافح بالروح " . هل ترين نفسك مناظرة له في هذا التوصيف؟
-  هذا سؤال لا يخلو من طرافة تنطوي على إحساس بتناقض مصطنع : إنّ ما أعنيه أنا بامتلاك الفرد لروحه هو بالضبط القدرة على امتلاك الدهشة الوجودية إزاء ما نشعر و ما نرى و ليس للأمر بأكمله أية علاقة مع كون المرء متديّناً أم غير متديّن ، و لابد هنا من التذكير ان كثيراً من العلماء و الرياضياتيين العظام امتلكوا هذه الدهشة الوجودية التي لا تقتصر على الأدباء و الفنّانين.
× ما الذي تطمحين لقرّائك ان يخرجوا به من وراء قراءة أعمالك ؟
-  أطمح  إلى أمرين جوهريين : الأول هو التأكيد على الطبيعة المتعددة الوجوه للدين و انّه أمر أبعد مدى  بكثير من مجرّد الاعتقاد بوجود الله ، و هو جوهري و لصيق بطبيعتنا البشرية الجوّانية كما يخبرنا بذلك علماء البيولوجيا الارتقائية ، و الأمر الثاني إنني أطمح دوماً إلى إعلاء شأن الحب الرومانتيكي إلى حدّ جعله ديناً مشاعاً بين الناس لأنني أحسب  أن ما من أحد لا يعتقد بأهمية الحب و ضرورته القصوى للكائنات البشرية.
× تطفح رواياتك بالكثير من الفيزيائيين و محاولاتهم الدؤوبة في إيجاد إجابات للأسئلة الفلسفية الكبرى . هل فكّرت يوماً ان تكوني فيزيائية؟
-  نعم بالتأكيد فقد حصلت على شهادة الدكتوراه في برينستون في موضوع يختص بفلسفة العلم و درست الكثير من الفيزياء أثناء سنواتي الأكاديمية و لا أعرف إن كنت أصلح لأكون فيزيائية مرموقة.
× كتب زوجك ( ستيفن بنكر Steven Pinker ) المتخصص في العلوم العصبية كتباً عدةً من بينها : ( مادة الفكر The Stuff of Thought ) و ( كيف يعمل العقل How the Mind Works ) و التي يتناول فيها على التوالي تعقيدات اللغة و الجوانب السايكولوجية للدماغ . هل ثمّة تداخل ما بين عملك و عمل زوجك؟
-  أستطيع القول اننا نتشارك الكثير من وجهات النظر التي تشكّلت لدينا قبل وقت طويل من زواجنا ، وهنا أشير بخاصة إلى قناعتنا الراسخة في ان النظام الأخلاقي لا ينبع من أية مواضعات او خلفيات لاهوتية ولا يستند اليها..
× و هل ثمّة من فكرة او قناعة تختلفين بها مع زوجك؟
-  أعتقد بوجوب وجود ما أختلف به مع زوجي لأن ذلك سيجعل حياتنا أكثر إمتاعاً ، و ربما كانت مملّة بعض الشيء في الوقت الحاضر لأن لدينا ذات القناعات و الأفكار المشتركة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

أوليفييه نوريك يحصل على جائزة جان جيونو عن روايته "محاربو الشتاء"

مقالات ذات صلة

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو
عام

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

علي بدرفي مدينة تتلألأ أنوارها كما لو أنها ترفض النوم، وفي زمن حيث كانت النجومية فيها تعني الخلود، ولدت واحدة من أغرب وأعنف قصص الحب التي عرفتها هوليوود. هناك، في المكاتب الفاخرة واستوديوهات السينما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram