يتشبه الكثير من أبناء هذه المنطقة الملتهبة من العالم، ومعهم بعض السياسيين، بطائر النعام، من حيث توهم الهروب من الخطر الداهم، بدفن الرأس في الرمال، صحيح أن من يُداهمه الخطر لا يعود يراه حين يدفن رأسه، لكن الأصح أن الخطر يظل قائماً ومؤكداً وحقيقياً، وهكذا فإن إنكار أن الطائفية تتسيد المشهد بكل سوداوية، لايُلغي حقيقة أنها تستفحل يومياً، وأن لها جنوداً يؤججون نارها، ومفتين بعمائم بيضاء وخضراء وسوداء ينفخون في كيرها، ويستحضرون أبشع ما في تاريخ الإسلام لدعم فتاواهم، وأن هناك سياسيين يعزفون على وترها لتعظيم سلطتهم وهيمنتهم، من خلال كسب تأييد البسطاء من العامة، المستعدين للدفاع عما يعتقدونه مقدساتهم، وأن هناك تجار حروب لايبالون بموت الأبرياء من الناس، ما دام ذلك يُروّج تجارتهم النجسة، ويضاعف أرصدتهم الحرام.
في عالمنا العربي وجواره الذي اتصل بالدين الإسلامي، طائفتان رئيسيتان هما " السنة والشيعة " تؤمنان بالله الواحد والرسالة المحمدية، لكنهما في صراع مستمر منذ أكثر من 1400 سنة، وهو ابتدأ سياسياً ويستمر كذلك، وبينهما عديد الطوائف من المسلمين، المختلفين على بعض المسائل، سواء في العبادات أو قراءة أحداث التاريخ البعيد، ومع هؤلاء أبناء الديانة المسيحية بمختلف طوائفهم، وهم في حقيقة الأمر مسالمون، رغم تعرضهم للكثير من الاضطهاد على يد المتطرفين والتكفيريين، وقبلهم كان يعيش معنا عرب يدينون باليهودية، تعرضوا لظلم كبير بعد نشوء دولة إسرائيل، رغم عدم إيمان معظمهم بالفكر الصهيوني، وجدير بالذكر أن كثيراً منهم قدّموا خدمات جليلة لأوطانهم قبل تهجيرهم، وأن الحنين لبلدانهم الأصليّة ما يزال يعصف بوجدانهم وأرواحهم.
ننظر إلى واقعنا البغيض، فنكتشف أن لكل طائفة ميليشياتها المستعدة لإفناء الآخر، والصورة أكثر قتامةً في سوريا والعراق، حيث المعارك غير الأخلاقية مستعرة، ضد من يوصفون بالنصيريين وشيعة آل البيت، وفي لبنان حيث النار تحت الرماد، ولكل من المتحاربين أنصار يدعمونهم بالمال والسلاح والرجال، حزب الله وبعض شيعة العراق يحاربون في سوريا ضد التكفيريين، والمتطرفون من أهل السنة يتوافدون إلى بلاد الشام والرافدين من أربع جهات الأرض، ودول الجوار الإسلامية إما مع هذا أو مع ذاك، والكل يبرر حمله السلاح ضد الآخر، إما بالدفاع عن حلف الممانعة، أو من أجل فلسطين، أو لإعادة الاعتبار للإسلام الصحيح، بينما الواقع أن هناك عودةً بالتاريخ، إلى حرب صفين وواقعة الجمل، أو الامتثال لرغبة مغمسة بالدم بإنشاء دولة الخلافة من جديد.
ثمة تعصب طائفي لم يعد يشعر بالخجل من الإفصاح عن توجهاته، فهناك من يدعو أبناء طائفته لاستئناف حرب الحسين ضد جند يزيد، وهناك من ينادي بهدم مراقد الأئمة باعتبار أن الإسلام حرّمها، وهناك من يطالبنا بالتسمر في أغوار التاريخ، ويؤذن فينا أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ما يعني الاستغناء عن عقولنا بالكامل، والاستسلام لفتوى رجل قد لا يكون أوتي من العلم غير قشوره، وبيننا من يدعو المسيحيين لترك ديانتهم وإعلان إسلامهم، بعيداً عن الآية القائلة "لكم دينكم ولي دين" وعن "لا إكراه في الدين"، وعند كل هؤلاء أن غير أبناء دينهم أو طائفتهم، كافر يجب ذبحه، والسكين هي أفضل الوسائل وأرخصها.
الطائفية والتشبّه بالنعام
[post-views]
نشر في: 17 يونيو, 2014: 09:01 م