ما الذي نحبه، يا ترى، فيما يتعلق بالعلماء المجانين في أفلامنا و تاريخنا؟ هل ذلك لأن سبرهم أغوارَ المجهول يثير فضولنا؟ هل هو تفوقهم الظاهري على الجمهور العادي؟ أم ذلك أنهم يرتكبون ــ لبرهة من الوقت في الأقل ــ أكثر مما نستطيعه نحن من تجاوزات؟و هم يفعل
ما الذي نحبه، يا ترى، فيما يتعلق بالعلماء المجانين في أفلامنا و تاريخنا؟ هل ذلك لأن سبرهم أغوارَ المجهول يثير فضولنا؟ هل هو تفوقهم الظاهري على الجمهور العادي؟ أم ذلك أنهم يرتكبون ــ لبرهة من الوقت في الأقل ــ أكثر مما نستطيعه نحن من تجاوزات؟
و هم يفعلون هكذا في عوالم كثيرة من المعرفة. بعضهم عملي، و يسعى إلى أشياء أفضل للجنس البشري. و آخرون أقل عمليةً قطعاً. و كان أحد أبرز تقنياتهم هو الطب المتقدم. و قد تصدّر علماء الثلاثينات و الأربعينات المجانين السينمائيون الطليعة في جهودٍ كحفظ أعضاءٍ حيةً خارج الجسم، و درجات حرارة منخفضة، و طرق جديدة في الجراحة، و أجزاء روبوتية للبشر، و أمصال جديدة. و راح آخرون يستخدمون الكهرباء لكل أنواع الاستعمالات، لكن على الأغلب لإعادة الحيان إلى اللحم الميت، أو لتزويد الروبوتات المتقدمة و أشعة الموت بالقوة.
و في الحقيقة، كانت أفلامهم مستنبتات تكنولوجيا غريبة، و هي تقدّم فِكَراً محرمة آنذاك، و تهيِّئ جماهير المشاهدين لتطور تكنولوجي في عالمٍ ستتغير فيه القيَم الأخلاقية و العلمية و تُطرح المحرمات القديمة جانباً . و الأفلام تجعل مثل هذه المواضيع المحرمة " آمنةً " سايكولوجياً عن طريق جعل الاختراعات من عمل " مجانين ".
و قد كان العلماء، الذين كشفوا عن الأسرار العظيمة و طوّروا الاختراعات الإعجازية في الحياة الواقعية، نوعاً من الأشخاص أقل إثارةً أو إمتاعاً بلا جدال ــ إذا لم يتقبل المرء استثناءاتٍ مثل نيكولاس تيسلا، جاك بارسونس، ولهيلم رايخ، تيموثي ليري، جون ليلي، سير فرَيد هويل، و البروفيسور كيفين وورويك. و كان معظم " العلماء " الذين ساعدوا على تطوير القنبلة الذرية و عجائب مماثلة أخرى أشخاصاً عاديين جداً. لكن نزعاتهم نحو التدمير اللامبالي تركت نسختهم السينمائية في الغالب بعيدة عن المشهد. فإمكانية العلم الحاد الشفرة على الجَرح هو الذي يجعل القصص حول الموضوع ذات علاقة بذلك. و في الأفلام، غالباً ما يكون العلماء " مجانين "، و كانوا هكذا منذ الأفلام الصامتة.
و على كل حال، فإن الأمور التي يقومون بها كانت منتظمة إلى حدٍ ما. و هم يميلون لأن يكونوا أبرع من الأبطال، و لديهم سمات ظريفة، ذات طبيعة متباهية في الغالب. فمنهم عدد مدهش يمكنه أن يعزف مقطوعات موسيقية للموسيقار باخ من الذاكرة. و سوف يظلون يثابرون بالرغم من الإخفاقات المتكررة. و تتعلق هذه عادةً بأشخاص من البشر تُخزن بقاياهم، حيةً أو ميتةً، في سراديب واسعة. و غالباً ما تكون المعدات التقنية غير الجديرة بالثقة، و الأجزاء التشريحية، و / أو المساعدون المختبريون مضادة لآمال العلماء. فلا تمتلك أيٌّ من أدواتهم الكهربائية صمّام أمان fuse، و لو أن من المفترض أن تأتي آلاتهم مزوَّدة بأزرار تشغيل عالية التحمّل تجعل من المؤكد أن تستطيع مختبراتهم الانفجار في الدورة الأخيرة. و هؤلاء الأشخاص متحمسون لإنجاز عملهم، ربما حتى إن ذهبوا معه. و سوف لن يدَعوا أحداً يقف في طريقهم، خاصةً أولئك الذين يدعونهم بالمخبولين، و يبدأون ــ لكن لا ينتهون ــ بالسعي وراء النفوذ.
و عموماً فإن مخلوقاتهم، سواء الآلية منها أو الحية، تخرج عن نطاق السيطرة. و حتى الذروة، أي حين تنقلب هذه المخلوقات على خالقيها و تُدمَّر سريعاً هي نفسها. و هذا عائد في العادة إلى القدَر، أو " الله "، الذي يعيد الوضع القائم ضد العالم المجنون الكافر.
و هذه الفكرة الأخيرة هي التي تربط أوجه الموضوع المتنوعة معاً : الرجل " شبه الإله " الذي ينبذ الطرق المقبولة و يسعى وراء المجهول، ليقع في المتاعب نتيجةً لذلك.
عن: strangemag