يوم واحد في ثلاثة عصور مختلفة وثلاث نساء ، وساعات.. " من هدايا الحياة الصغيرة لنا تلك الساعة التي تحتشد فيها حياتنا، تقول كلاريسا ، فيما يستهل كننجهام روايته بما تقوله وولف:" ليس عندي وقت لتوصيف غاياتي. عليّ قول الكثير عن (الساعات) واكتشافي؛ كيف احفر كهوفا بديعة خلف شخصياتي؛ أظن ان هذا يمنحها ما أريد؛ الإنسانية والضحك والعمق. فكرتي عن هذه الكهوف تتواصل، ثم يهلّ كل منها الى نور النهار باللحظة الحاضرة".
الساعات هنا هي ما تحتشد فيه تفاصيل عن العزلة واللاجدوى ، وايضا عن الملل وإيجاد معنى للحياة... سلسلة طويلة تمتد على مدى قرن من الزمن، من الخيابات والرغبات المكبوتة والسعي لان تكون الحياة ذا قيمة.
(الساعات) .. رواية لكننجهام مثلما هي فيلما لستيفن دالدري، ليست سيرة تقليدية مباشرة لحياة فيرجينيا وولف، بل هي صدى للسيرة الحياتية والإبداعية لها ، اثر لها ديل على حياة لاتشبه حياة اخرى سيرة تختصر كل حياتها مثل تختصر الأثر الذي تحدثه كتاباتها ، بهذا المعنى يعتمد مخرج الفيلم نص الرواية ، ومن يشاهد الفيلم يجده متطابقا مع متن الرواية من جهة الفكرة ورسم الشخصيات.
يوم متماثل بتفاصيله، مختلف بشخوصه وعصره، تتقاسمه ثلاث نساء يبدون مختلفات للوهلة الأولى ، لكننا سرعان ما نجدهن يتقاطعن بالسلوك والتفكير والمصير، نساء هن امتداد لحياة وولف وأفكارها.
فيرجينيا وولف(نيكول كيدمان) ، ( الروائية و الكاتبة و الناقدة الانجليزية في لندن عام 1921 وهي تعيش وضعا نفسيا بينما تكتب روايتها الأهم. ثم لورا براون(جوليان مور),عام 1951 في لوس أنجلس، ربة منزل مع طفلها ريشارد الذي سيكون احد شخوص الرواية، تقرأ رواية السيدة دالاوي ، وتتماهى مع أحداثها، فهي لا تشعر بعاطفة تجاه زوجها ، وتجد صعوبة في التكيف مع حياتها كأم وزوجة.. ثم كلاريسا فون (ميريل ستريب) بدلالة واضحة هو اسم بطلة فيرجينيا وولف (السيدة دالاوي ) موظفة خمسينية في احدى مكتبات مدينة نيويورك عام 1998 , تختارها الرواية والفيلم بوصفها شخصية معاصرة لرواية فيرجينيا وولف, السيدة دالاويس" .. كلاريسا في علاقة مع صديقها ريتشارد – الطفل مع الشخصية الثانية لورا بروان, وهو شاعر كبير يعاني مرض الايدز تظهر منشغلة بإقامة حفلة لصديقها هذا ( يجسد دوره ريتشارد هاريس).
المشهد الافتتاحي حيث فيرجينيا وولف تخرج مسرعة من بيتها و تتجه خلال البساتين الى النهر ، نسمع صوتها وهي تقرأ رسالة الوداع التي تركتها لزوجها ، ثم تلقي بنفسها في النهر منتحرة في واحدة من اهم مشاهد السينما . ثم تأخذنا الكاميرا الى عام 1951 في لوس انجيلوس سنة 1951 حيث زوج لورا براون يحمل باقة زهور الى زوجته. ثم انتقالة من الكاميرا الى عام 1923 في انجلترا سنة وزوج وولف في طريقه الى البيت ، بينما الاخيرة تستيقظ من النوم.
في نيويورك عام 2001 كلاريسا في فراشها مستيقظة للتو ، ومرة اخرى الى الخمسينات لنشاهد لاورا مستلقية في فراشها .. وهكذا الفعل نفسه وكذلك الوقت . بهذه الانتقالات تكتمل صورة الشخصيات ويستقيم الحدث.
نساء ثلاث تتقاطع تفاصيل يومهن المعاش .. وتكتمل في هذه التفاصيل الصورة المقربة لفيرجينيا وولف .. هنا نحن أمام مشتركات تتعدى الوجود المادي ، الى حيث الاغتراب والقلق والحزن ، ثم البحث المحموم عن المعنى مثلما هو البحث عن العاطفة.
السيرة في السينما ساعات فيرجينيا وولف
[post-views]
نشر في: 18 يونيو, 2014: 09:01 م