أين المفر من هذا (الذي يلاحقني في البلاد البعيدة ) ؟ أتهرب من لقياه ، فأجده مندسا بين القلب وشغاف القلب ، أقتلعه من الذاكرة ، فأجد جذوره معرشة بين الهدب وبؤبو العين . ما من سبيل من الهرب منه إلا إليه .
تتنضد على الطاولة —في المغترب — أطايب شهية : ديوان شعر مزجج بإهداء حميم ، دليل غزل الالوان في حدائق (جيلسي ) . بطاقة دعوة لحضور حفل موسيقي في قاعة (البرت هول ). معرض للنحت والرسم في مبنى بلدية ( هامرسميث ) . محاضرة في المتحف البريطاني عن آثار وادي الرافدين ، و…و..
تتوارى كل تلك النشاطات خلف الرغبة ، وتخلي المكان لمذيع أجش الصوت ، يتصدر المشهد، يعرض مسلخا تتكدس فيه اشلاء ضحايا منقوعة بالدم ، ويتمطق بوعود وارقام :هنا العراق.
اين المفر؟ لو جازفت بإخراس المذيع بإغلاق التلفاز . فالراديو لها بالمرصاد . ولو تجاهلت فحيح المذياع . فعناوين الصحف مدعاة للخوف والأسى . ولو تعامت عن القراءة .فالجارة الإيرلندية تدق بابها بإلحاح وبيدها باقة ورد وبطاقة مواساة بعد سماعها بما يجري في العراق من عجائب . اعداد القتلى تترى بمتواليات هندسية ، مائة لا تكفي ، لتكن مائتان . لا تكفي ، لتكن...
الأنباء سوط يجلدنا على مدار الساعة . ويا ويل من يصرخ بـآآآآآه .
الاخبار توالي عرض البارجة الأميركية . وهي تتهادى-بأمان- في مياه الخليج كما يتهادى جندول قصيدة مغناة…طاقم البارجة ، يشربون الكولا ويحتسون النبيذ . ويتسامرون ، البارجة سفينة خرافية التكنيك ،— يقولون —تستدل اجهزتها الالكترونية على مصدر الإطلاقة !! تلاحق القذيفة وتصطادها كما صقر يلتهم عصفورا .. طائرة. بل سرب طائرات للحماية! حماية، ممن؟
إيران - تتدخل . سافرة ومحجبة تتدخل . تركيا تتأهب .السعودية تراقب عن كثب ، اميركا : تنصح !! الرئيس الاميركي يلوح بيديه ، مسرعا للحاق بطائرته الرئاسية لقضاء إجازة الاسبوع بجزيرة وارفة بعيدا عن وجع الرأس في دول الاحتراب .
ربما يسأل ساذج : بعد هذى الفوضى التي تجري باسم الديموقراطية وحماية القانون .. ماذا يراد بالعراق واهل العراق؟ بل وبعموم المنطقة؟
لا يغامرن احد بجواب متسرع … فالاجوبة عموما ، عوراء ، الاسئلة الكبرى هي المبصرة!
مذاق زمن مر
[post-views]
نشر في: 18 يونيو, 2014: 09:01 م