كي لاتتحول "انتصارات" داعش إلى مدخل لحرب طائفية مريرة، تقود إلى تقسيم العراق، وهذا خيار دفعت إليه السياسات السائدة منذ ثماني سنوات، لابد من مصالحة وطنية عميقة، تتجاوز الشكليات إلى وضع أسس صارمة لعملية سياسية، بعيدة عن إقصاء وتهميش أي من مكونات الشعب العراقي، وإلى وحدة سياسية مبنية على أسس التكافؤ، لانتشال العراق من الأزمة التي تعصف به، وكان آخر تجلياتها احتلال الموصل ومناطق أخرى، ووقوعها تحت سيطرة تنظيم إرهابي عابر للوطنيات، مدعوم بقوى معظمها عسكري ترفض التغيير الذي طرأ منذ العام 2003، وأخرى تتمرد اليوم على السلطة القائمة، رغم أنها دعمت العملية السياسية، قبل أن يجري تهميشها لصالح فكرة فاشية، عنوانها الأبرز "ما ننطيها".
بالطبع هي بداية جيدة اتفاق قادة عراقيين، في اجتماع ضم "الأضداد" المالكي والنجيفي والحكيم وآخرين، على شجب الخطاب الطائفي، ومراجعة المسيرة السياسية السابقة بهدف تقويمها، ذلك يعني الاعتراف بأن تلك المسيرة كانت مُعوجة، وانحرفت عن الطريق المؤدي لتحقيق أهداف العراقيين، في العيش بسلام في وطن يتساوى فيه الجميع أمام القانون، ويتمتعون بخيرات وطنهم دون تمييز، وبما يدفع الجميع للحفاظ على وحدة الشعب والوطن، بعيداً عن الاستفزازات الطائفية، وكل ذلك تحت مظلة الالتزام بالدستور نصّاً وروحاً، والامتثال للقوانين بدل التغني ببطولات وهمية، عنوانها انفلات وفوضى حمل السلاح خارج إطار الدولة، كما هي دعوة إيجابية تلك التي انطلقت من أربيل، بعد اجتماع القوى والأحزاب الكردستانية، وفحواها ضرورة اللجوء إلى الحل السياسي، بدلاً من الحل العسكري والأمني، وتصفية الخلافات التي تراكمت في المشهد السياسي العراقي.
ثمة أمل في أن تنصاع القوى السياسية "فعلياً"، لضرورة التخلي عن أوهام الحسم العسكري والأمني، ما يضع البلاد في مواجهة تداعيات تهدد السلامة الوطنية، والتجربة السورية ماثلة للعيان، واللجوء إلى معالجة سياسية إصلاحية عميقة وشاملة، تستند إلى الإدارة المشتركة لجميع الكتل والقوى، وكل الوطنيين العراقيين دون استثناء، ما سيؤدي عملياً إلى السير مرة أخرى في الطريق السليم، المفضي إلى إقامة دولة المؤسسات الديمقراطية، بدل دولة مختار العصر، والفصل بين السلطات، بدل تجميعها بيد "قائد" يتصرف بها بعيداً عن كل الضوابط الدستورية، ويستغلها للنيل من خصومه السياسيين، وتهميشهم وإقصائهم، حتى لو كان ذلك عن طريق اتهامهم بالإرهاب، مع معرفته أن الإرهاب مُدان عند الجميع، بكل تلاوينه ومسمياته .
رغم أن الأوضاع الراهنة أدخلت بلاد الرافدين في نفق مظلم، فإن بعض المتطرفين يرفضون الحلول التصالحية بين مكونات الشعب العراقي، ولايتوانى أحدهم عن السؤال "نتصالح مع من؟"، ولهؤلاء لابد من القول إن المصالحة تتم مع من نختلف معهم في الرأي، ما دامت المصلحة الوطنية تقتضي ذلك، حتى وإن استلزم الأمر بعض التنازلات، التي تسجل في نهاية الأمر في إيجابيات من يقدمها، بدل توزيع الاتهامات جزافاً على دول الجوار، التي يمكن أن تكون تدخلت في الوضع العراقي، حفاظاً على مصالحها الاستراتيجية، لكن الصحيح أن السياسات التي سادت خلال الحقبة الماضية، هيأت المناخ الملائم لنجاح تلك التدخلات.
وبعد فإن الرد على تطرف داعش ودمويتها، ولمنعها من تحقيق مخططها الجهنمي في تقسيم العراق وسوريا، لايكون إلا بوقفة وطنية تجمع جهد الجميع، دون إقصاء أو تهميش أو التعالي على الآخرين، باعتبارهم رعايا لايملكون غير السمع والطاعة، ويقيناً أن في المناطق الواقعة اليوم تحت سطوة الإرهاب الداعشي البعثي قوى وطنية تؤمن بالعملية السياسية، ولا بد من التعاطي معها بإيجابية بدل استعدائها بتحشيد طائفي لا تُؤمن عواقبه.
العراق.. أي الخيارات
[post-views]
نشر في: 18 يونيو, 2014: 09:01 م