ترجمة: نجاح الجبيلي فجأة تحول أكبر مهرج محبوب في العالم إلى شخصية ملعونة جداً في الأرض التي اختارها للإقامة. وحين تطورت الحرب الباردة عام 1947 فإن المتسكع الصغير الذي خلقه شابلن أصبح هو "السيد فيردو" الضخم المتزوج من امرأتين والقاتل المحترف الذي يقيم أود عائلته بالزواج من عدد من الأرامل الغنيات ثم يقتلهن.
إن فيلم "مسيو فيردو" الذي عرض هذه السنة في منتدى الفيلم في أميركا على مدى أسبوع كان عنوانه الفرعي "كوميديا الجرائم" وكما لاحظ الناقد الفرنسي آندريه بازان فقد قلب عالم شابلن رأساً على عقب. والمتشرد السابق هو هنا موظف نزيه يعمل في البنك انساق إلى الجريمة بسبب انهيار سوق البورصة عام 1929. وبعد أن حكم عليه بالموت في نهاية الفيلم يعلن أن جرائمه لا تقل بشاعة عن الجرائم التي ارتكبتها الحضارة الغربية "إني قاتل مبتدئ بالمقارنة معها". عدّ شابلن فيلمه هذا، وهو الأول بعد الحرب العالمية الثانية، من النوع الذي له علاقة بالأحداث الجارية. وبينما وجه الهجاء إلى هتلر في فيلم "الدكتاتور العظيم"- 1940 فإنه في هذا الفيلم كان يعلق على المذبحة التي ارتكبها هتلر والدمار الشامل الذي يخشى أنه سيعقبها. إذ قال شابلن في مقابلة معه:" قال كلاوزفيتس أن الحرب هي الامتداد الطبيعي للدبلوماسية ويشعر فيردو بأن الجريمة هي الامتداد المنطقي للتجارة". لكن السيد فيردو هو أيضاً النتيجة المنطقية لأحاسيس شابلن عن الضحية كونه شخصاً مشهوراً وإنساناً. وعلى الرغم من الشعبية الواسعة لفيلم "الدكتاتور العظيم" إلا أنه أثار الجدل أيضاَ، فقد تم شجبه كونه دعاية للتدخل على أرضية مجلس الشيوخ. والاستقبال العاصف لفيلم "مسيو فيردو" عكس كلا من محتوى الفيلم وشخصية صانعه. وخلال الحرب كان شابلن موضع نقد بسبب أخلاقياته- المتخذة زي الأبوة الحسية- وعواطفه السياسية. وبالنسبة للبعض فإن الاثنين يتطابقان. اتهم جون إي رانكن النائب الديمقراطي من الميسيسيبي، شابلن كونه شيوعياً و " مشهوراً بإغوائه للفتيات البيضاوات". حتى أنه قبيل افتتاح فيلم "مسيو فيردو" في عام 1947 كتبت "هيدا هوبر"،وهي كاتبة عمود في هوليوود، إلى "ج. إدغار هوفر مدير "الأف بي آي" ترجوه منحها الفرصة لمهاجمة شابلن قائلة :" أنت تعطيني المادة وأنا أفجرها". وتردد هوفر وكان لديه ملف ضخم عن شابلن بضمنه تقرير حديث يربطه باللاجئ السياسي المتطرف "هانز إيسلر" وبرتولد بريخت لكن فيلم "مسيو فيردو" الذي تأثر بالتأكيد بأفكار بريخت في الهجاء الاجتماعي، كان يحمل كارثته الخاصة. ولتقديم فيلمه وهو الأول خلال سبع سنوات أصرّ شابلن على عقد سلسلة من المؤتمرات الصحفية، وقبل العرض الأول راح يتسلى بالأسئلة الودية من الصحفيين الأجانب. وكان العرض نفسه في مسرح برودواي في مانهاتن الذي أعيد تأهيله، أقل تأثيراً. وهرب شابلن من المشهد بعد أن أجفله استهجان الجمهور وهمهمتهم. وفي لقاء لاحق مع المراسلين في فندق "غوثام" واجه أيضاَ المزيد من الكراهية. فنصف الأسئلة تركز على سياساته أو ولائه الوطني. فقد أتهم بالتعاطف مع الشيوعية وتم استجوابه عن صداقته مع "أيسلر" الذي كان حينذاك الهدف الأول للجنة الأمريكية للتحقيق في النشاطات الشيوعية في هوليوود. وفي اليوم التالي تعرض فيلم "مسيو فيردو" لملاحظات سيئة عن سيرة شابلن وهوجم كونه غير مسلّ ويفتقد الذوق وصناعته رديئة ومريب أخلاقياً، وحسب صحيفة "هيرالد تريبيون" "إهانة للاستخبارات". لكن مراجعات الفيلم كانت مختلفة في العدوانية. فبعد أن شخصّه "بوسلي كروثر" من صحيفة "نيويورك تايمز" كونه خطيرا وقاس أساساً" إلا أنه حذر بأن "أولئك الذين توقعوا أن يضحكوا قد يجدون أنفسهم مستمرين في البكاء" وبالنسبة للبعض فإن الفيلم أصبح قضية. كتب "جيمس أغري" دفاعاً عنه من ثلاثة أجزاء في مجلة "ذا نيشن" - على الرغم من أنه لا يفيد كثيراً كون المراجعة الإيجابية غير الملتبسة جاءت في صحيفة "الديلي وركر" ("كوميديا لامعة سوف تثير رسالتها العميقة القلوب والعقول بالنسبة للناس المحبين للحرية في كل أنحاء العالم"). ظل فيلم "مسيو فيردو" يعرض أقل من شهر في برودواي ومباشرة بعد أن دعا مالكو المسرح المستقل في أوهايو إلى حظر وطني عليه، سحبت شركة "يونايتد أرتستس" الفيلم من العرض. وطالب النائب رانكن في منتصف حزيران بنفي شابلن؛ وبعد أن توقع شابلن أن يستدعى أمام لجنة مكافحة النشاطات ضد أمريكا ربط فيلمه بالتحريات المتوقعة. فأرسل برقية مفتوحة إلى رئيس اللجنة يقترح فيها بأن طرح الفيلم بسيط فقد كتب:" إنه ضد الحرب والمذبحة التافهة. إني غير شيوعي. أنا معزز للسلام". القلة من الأفلام كانت مثيرة لاختلاف الآراء. وفي اليوم الذي حثت فيه جماعة "جنود الحرب الكاثوليك" على استجواب فيدرالي لنشاطات شابلن السياسية صوتت "الهيئة الوطنية
فيلم "السيد فيردو " لشارلي شابلن بين الإنكار والإعجاب
نشر في: 25 نوفمبر, 2009: 05:15 م