TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بلبل خارج السرب

بلبل خارج السرب

نشر في: 20 يونيو, 2014: 09:01 م

كان يخشى أن تتلصص عين أمنية على أفكاره فتقرأها ذلك انه أودعها اغلى أحلامه واهمها وأكثرها قربا من حكم الإعدام ..كان يحلم بسقوط النظام ..اش ..اش ..لايريد ان يبوح لأحد بذلك حتى ولو لنفسه فالعين قد تفضح أفكاره واللسان قد يزل يوما فلا يكفي قطعه للتكفير عن إثم صاحبه ..وهكذا ، اعتنق الصمت مذهبا واعترف بضعفه البشري أمام ذاته ، فوضع مبادئه وأحلامه على الرف بانتظار يوم الخلاص ..
حين سقط النظام السابق ، كان من بين أوائل المهللين لسقوطه والداعين إلى قيام سلطة بديلة لاتضع إشراكا للكلام ..اطلق عصافير أفكاره من حجرات رأسه فحلقت في أجواء جديدة ..غازل المفردات الممنوعة فاستجابت له وطرق الابواب المغلقة فانفتحت له ..ولم يخل الأمر طبعا من تضحيات جسيمة وقد رضي بها وعدها ضريبة لماض اقل مايوصف به انه فاجع ..بالتدريج عجزت أفكاره الطليقة عن إيجاد أصداء لها فكل يبكي على ليلاه والأفكار الخيرة والنوايا الصادقة وحدها لاتفي بالغرض ..
جرب ان يتحدث باسم التعقل وحب الوطن ورفض العنف والقتل فوجد من يتهمه بالميل نحو جهة دون أخرى ..رفض الفساد والتمسك بالسلطة والخروج عن أهداف الديمقراطية التي ينشدها فقيل عنه انه معارض للسلطة وعده البعض بلبلا خاسرا يغني خارج سربه ..لم يتمكن من مجاراة أخطاء المخطئين وظل يرفض الاعتراف بالميل نحو طائفة او كتلة او حزب ما فهو مازال يهفو في أعماقه لعالم خال من ملامح الدكتاتورية والجور الذي عانى منه طويلا ..
أصر على اطلاق صوته بما يقتنع بانه صائب وظل يطارد الأخطاء بسلاح الحق والمبادئ وبنود القانون فوجد القانون الذي وصفه صدام حسين من قبل على انه (جرة قلم ) يشبه رداء فضفاضا أو قطعة من الصلصال يمكن تشكيلها حسب طلب المسؤولين ومطامحهم السياسية ومصالحهم الشخصية..
وجد ان صراحته وصدقه لم يحركا الماء الساكن إلا لدى من يشبهه وهم قلة ،فالصدق انتفى والشك والخوف يحاصرنا دون رحمة ..أما الوجوه والكلمات فتعكس حالة مثالية وتطالب ب( وحدة وطنية ) و( تلاحم ) و( نبذ للأحقاد ) لدرجة ان من يتشدق بها يحاول التشبه بالأنبياء في مثاليته لكن زمن النبوة انتهى تماما وسلوكيات المسؤولين تناقض ادعاءهم النبوة وتحيل العراق إلى فريسة تحوم حولها الذئاب ..
شعر بأنه يحارب الطواحين كما فعل دون كيشوت مادام عاجزا حتى الآن عن الإشارة للفاسدين والظالمين والقتلة دون ان يتحسس رقبته جيدا أو يدفع عنه على الأقل تهمة الخروج عن المعتقد أو الطائفة اذا وضع إصبعه على مواطن الخلل فيهما..
في النهاية ، قرر ان يحبس أفكاره من جديد في سجن دماغه ليس خوفا بل انتظارا لصحوة ضمائر أخرى تدعو إلى تحقيق مصلحة مشتركة وإنقاذ حقيقي لهذا البلد الغاصّ في وحل الإرهاب والأحقاد والثارات الشخصية والفساد السياسي ..انه ينتظر وسينتظر خروج البلد من آثار ماض رهيب وحاضر فاجع عسى أن يحمل المستقبل بصيص أمل ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. أبو همس الأسدي

    نعم أخت عدوية ..قلة, من امتلك الشجاعة للتخلص من ضعفه البشري وتحرير قناعاته من أسرها المزمن الذي يقيده الخوف والأنتظار السلبي الآمن ؟؟ولكن صدقهم ووطنيتهم قد حرك الماء الراكد والأستكانه غيرالمبررة لدى الكثير ممن لازال يشعر أن القهر الصدامي لم ينتهي بزوال نظ

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram