ليس مفهوماً الحكمة في إفراج السلطات الأردنية عن المدعو عاصم البرقاوي، المشهور بأبي محمد المقدسي، خصوصاً في هذه الظروف بالذات، حيث ينشط المؤمنون بفكره، في حروبهم الجهادية غير البعيدة عن الأرض الأردنية، فالرجل تحريضي بامتياز، وأتباعه ينتظرون بشوق فتاواه "الجهادية"، وهو حاول إبّان اعتقاله، جسر الفجوات بين التنظيمين الإرهابيين داعش وجبهة النصرة، فانحاز للنصرة تيمناً بشيخ الإرهاب الظواهري، وهو يفخر بأنه الأب الروحي للإرهابي أبو مصعب الزرقاوي، وقد عمل طويلاً لدعم حركة طالبان الأفغانية، وجنّد أردنيين للقتال في صفوفها، ومن سجنه كان يوجه المقاتلين المنضوين تحت الرايات السوداء، ويدعوهم للتوحد في مواجهة الطاغوت، وهو عنده كل الحكام غير المؤمنين بفكره الظلامي.
يشكل الإفراج عن الإرهابي المقدسي، قمة التفريط بأمن المواطن الأردني والعربي أيضاً، فهو دون شك ظل أبرز منظري الإرهاب العابر للقارات، ورسائله الأخيرة خير دليل على تمسكه بفكره المريض، ومخططاته الرامية إلى إقامة دولة الخلافة بحد السيف وليس بالحكمة والموعظة الحسنة، من خلال ما يتشدق به عن السلفية الجهادية، التي ظل وفياً لأهدافها في العودة بنا إلى عصور الظلمة والتخلف والكراهية، والخضوع للفتوى غير المستندة إلى أي مبدأ أو شريعة، فيما هي محض اجتهاد نابع من الجهل، وادعاء امتلاك الحقيقة وتمثيل إرادة السماء، وليس افتراءً على قرار الإفراج عن هذا الإرهابي، القول إن ذلك ليس أكثر من اعتداء سافر ومرفوض على حقنا في الاختيار، وحريتنا في ما نعتقد، في دولة كنا نظن أنها تضمن ذلك، ونؤمن أن واجبها منع المقدسي ومن هم على شاكلته، من التفلت علينا بخطبهم الشعواء وفتاويهم المضللة، واتهاماتهم غير المبنية على أي دلائل، وشتائمهم المسيئة للمنابر، أكثر من تهم الملحدين لها بما ليس فيها.
ثمة اتهام لعقلنا بالقصور، حين القول إن الإفراج عن المقدسي، فرصة تمنح له ليتقدم بالنصيحة للتيارات المتشددة والمتصارعة، وتحقيق المصالحة فيما بينها، واتقاء شرها، وإذا كان ذلك صحيحاً فإن نصيحته إن أثمرت ستكون وبالاً علينا، وعلى كل من يتوقع منها الخير والفلاح، فقد اعتاد الرجل على توجيه رسائل الحقد لأتباعه وهو في السجن، وإن غلّفها "بمناصحة" يفوح منها الكذب والرياء ، وهاهم تلامذته الذين تربوا على أفكاره، وإن كان بينهم خلاف شكلي اليوم، يعلنون أن الأردن سيصبح جزءًا من الدولة الإسلامية التي تريد داعش إقامتها، ويكشفون عن إنشاء فرع في المملكة، لتجنيد مقاتلين وإرسال أسلحة إلى العاملين في البلدان المجاورة، وأنهم سيستخدمون الأردن، كمركز للخدمات اللوجستية، وأن هدفهم النهائي هو إقامة الخلافة الإسلامية، بحد السيف أو بغير ذلك من وسائل.
مرة أخرى، يبدو عصياً على الفهم، إطلاق سراح "داعية"، ينحصر تفكيره الظلامي، برفض الديموقراطية والتعددية والعمل النيابي التشريعي والتعليم العام في المدارس والجامعات، ويعتبرها من أعمال الكفر، وهو ليس أكثر من إرهابي يجاهر بأن نظام الحكم الطالباني، هو أقرب النماذج للحكم الإسلامي المعاصر، ولا يتوانى عن تكفير الحكام غير المؤمنين بفكره، ورفض الدساتير وإعلان العداء للجيش والشرطة ولأئمة المساجد، ويغلف كل ذلك باجتزاء مُخل من آيات القرآن والأحاديث النبوية، ويتظاهر بنبذ التعصب والطائفية، مع أنه من أكبر المحرضين عليهما.
كان ينقصنا المقدسي
[post-views]
نشر في: 20 يونيو, 2014: 09:01 م