ما الفشل؟.. في التعريف اللغوي ، هو الضعف، ويقول صاحب كتاب "المخصص" ابن سيده: فشل الرجل فشلا، وفشل: كسل وضعف وتراخى ، ولان الفشل أنواع حسب معجم علم الاجتماع، منه الشخصي الذي يضر بصاحبه فقط، ومنه العام الذي يؤثر على المحيطين به ، ولهذا النوع من الفشل ينتمي الخبر الذي نشرته صحيفة الديلي ميل البريطانية ، حيث قامت شركة الملابس الأمريكية الشهيرة "أمريكان أباريل" بطرد مؤسسها دوف تشارنى من منصبة كرئيس للشركة، كما أعلنت نيتها الإطاحة به من منصبه كرئيس تنفيذى للشركة، بعد فشله المتواصل في إدارة الشركة . وتضيف المجلة أن دوف تشارنى أسس شركة "أمريكان أباريل" الأمريكية، لتكون واحدة من العلامات التجارية العالمية، ولكن تراجعت حظوظ الشركة بسبب أسلوب حياته الفاشل الذي تسبب فى العديد من المشاكل للشركة .
هل يمكن ان نطبق هذا القرار على المسؤول الفاشل عندنا ؟ لا أعتقد ان الأمر سينجح ، فنحن نعيش في ظل حكام لا يعترفون بالفشل ويعتقدون ان "الخطأ والصواب" لا علاقة لهما بالفشل.. حين حوّل مرسي، أكبر دولة عربية مثل مصر إلى بلد مفلس يخضع لحكم "الأهل والعشيرة "، فالأمور لا تتعدى "تجارب تخطئ وتصيب "، وحين يتقدم بلد مثل العراق سُلّم البلدان الأكثر فساداً ونهباً للمال العام.. فان الأمر يدخل أيضا في قائمة " تجارب الهواة ".. فلا مشكلة ان يتدرب "الفاشلون" على إدارة مؤسسات الدولة؟ وأين المشكلة حين يدير أمور العباد، أناس لايقرأون سوى دعاء الرزق ، ولايحفظون سوى أرقام حساباتهم في الخارج ، ، ولا يفرقون بين كتاب الطبخ، وكتاب الفلسفة، ويعتبرون الاعتراض على الحاكم رجساً من عمل الشيطان فاجتنبوه ، ونراهم يوما بعد اخر يفقدون اتصالهم بالواقع يوميا لأنهم مهمومون بالامتيازات والصفقات السياسية والأهم بالضحك على الناس البسطاء، ولهذا يجدون في السلطة فرصتهم لتصفية الحسابات مع الجميع، فلابد من استخدام كرسي الحكم في هزيمة " الخصم".. فهواة السلطة لا يعرفون شيئاً سوى ان الدولة ومؤسساتها وبيوتها وناسها وأطفالها هي ملك خاص لهم.
اليوم نعيش في ظل ساسة ومسؤولون وصلوا إلى السلطة ليديروا نفس الماكنة التي أدارها صدام على مدى أربعة عقود وبنفس الآليات وفي خدمة شيء واحد : " كرسي السلطة " .. احد عشر عاما وماكينة السلطة القديمة نفسها ، لا ترى في الدولة غير الساكنين في المنطقة الخضراء . . لا شىء تغير، لم يفعل قادة العراق بعد 2003 شيئا سوى تفصيل الكرسى على مقاسهم..كلهم تعاملوا بمنطق ورثة نظام صدام .
يصنع الناجحون تاريخا جديدا لبلدانهم . لم يتوقع العالم ان خروج مانديلا من السجن، سيفتح صفحة جديدة للتقدم والرقي والحياة الحرة الكريمة لكل أبناء جنوب أفريقيا البيض قبل السود ، لم يحرر الناجحون بلدانهم فقط ، بل حرروا نفوس مواطنيهم من الثأر والضغينة . أهم ما في سجل الناجحين ، أنهم صفحوا عن أعدائهم ولم يطلقوا سوى جملة واحدة : " تعالوا نبني المستقبل ونعلن موت الماضي "
في هذه اللحظات العصيبة يحتاج العراقيون الى سياسيين ناجحين وشجعان لا يمارسون لعبة قذف التهم بينهم، ولا تعليق المشاكل على شماعات وهمية.. يحتاجون الى سياسيين يرفضون توريط الشعب في مغامرات غير محسوبة المخاطر، هذه مسؤوليات لا تحتاج إلى دفاع عن المخطئ لتقويته أو لحمايته. فالأمر في النهاية يتحول الى لعب بالنار. والخطأ يولد خطأً اكبر، و ان لايتصور احد انه سيجلس في مقاعد المتفرجين، الجميع جزء أساس فيما يجري، ، وعليهم ان يقفوا موقفا موحدا ضد كل من يريد ان يحرق العراق او ان يذهب به الى خيار التقسيم، فأهم من ان يفوز فلان في هذا الصراع، هو ان نطمئن على العراق وعلى مستقبله وعلى مصيره، واهم من ان يطمئن البعض على استمراره المالكي في ولاية ثالثة ورابعة، هو ان نطمئن جميعا على امن البلد واستقراره ومستقبله.. العراقيون انحازوا للديمقراطية، لكن الفاشلين انحازوا لمصالحهم الشخصية، فخلطوا شعارات مصلحة الوطن بأطماعهم السياسية.
في النهاية، الناجح من يصدق وطنه وشعبه، لا اقاربه واحبابه ، ومن ينصرف منذ اليوم الأول إلى البناء والتنمية وبث الطمأنينة والاستقرار ، لا إلى التجهيز لحروب الطوائف .
ما الفشل ؟
[post-views]
نشر في: 20 يونيو, 2014: 09:01 م