بزوغ الصوت الانثوي: القسم السابع
عالمة الفيزياء النمساوية المولد والسويدية الجنسية " Lisa Meitner" التي عملت مساعدة للعالم الشهير ماكس بلانك مكتشف نظرية (ميكانيكا الكوانتوم ) لم تكن امرأة المختبرات باردة العاطفة أومنطفئة الروح كما كان بعض زملائها من العلماء الذين شاركتهم بحوثهم ، بل كانت امرأة خجولا تفيض بالحب والاشراق والجمال والفكر المتوقد والحس الانساني الرقيق ، فعملت كممرضة على اجهزة الاشعة في الفترة الاولى للحرب العالمية الاولى لكنها عادت الى المختبر والابحاث سنة 1916 وعاشت صراعا قاسيا مع نفسها الرقيقة واحساسها المريع بالخجل والأسف وهي تواصل عملها في الابحاث الفيزيائية بينما يعاني ضحايا الحرب الالام وعذابات الاحتياجات العاطفية والعلاجية الشافية كما رفضت في سنة 1942 رفضا قاطعا الاسهام في مشروع انتاج القنبلة النووية في أميركا بسبب حسها الانساني واستيائها من تحول الكشوفات العظيمة إلى أسلحة لقتل البشر وتدمير العالم بدل ان توظف لتحقيق حياة أفضل للإنسانية.
كابدت ليزا مايتنـر كثيرا كونها امرأة وواجهت تمييزا فادحا في المجتمعين النمساوي والالماني اوائل القرن العشرين وكانت ثاني امرأة في تاريخ النمسا تحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة فينا وكان محظورا على النساء دخول معاهد التعليم العالي لكن عائلتها ساندتها ومنحها والدها المال لتدرس وتتقدم للامتحان الخارجي وتنال الدكتوراه ، غير أن جامعة فيينا رفضت تعيينها أستاذة للفيزياء لأنها امرأة ولامكان لها بين العلماء الرجال ، فسافرت الى المانيا باسناد معنوي ومادي من والدها وعملت متطوعة بدون أجر في مختبر العالم "اوتوهاهن" التابع لجامعة برلين التي كانت هي الاخرى ترفض تعيين النساء ، وعاملتها الجامعة بطريقة تخلو من العدالة فلم تسمح لها بالعمل في مختبر متكامل كما فعلت مع "اوتوهاهن" بل أرغموها على إجراء تجاربها في مستودع للآخشاب ، وذات يوم وكانت تشعل سيجارتها امام مستودع الأخشاب يقول لها أوتوهاهن بشيء من السخرية والزهو الذكوري : اراك لم تحرقي شعرك ، وتنظر اليه ليزا باستنكار خجول وإحساس بالمهانة ولكنه يواصل حديثه : " يعتقد مدير المشروع اننا اذا تركنا النساء يعملن في المختبرات فإنهن حتما سيحرقن شعرهن "
استاءت ليزا من تعليق من زميلها الذي تكن له عاطفة خاصة لم تفصح عنها فتقول بسخرية : يبدو ان لحية الرئيس مضادة للاحتراق.
كان علماء المشروع يمرون بهما فيتجاهلونها تماما ويوجهون التحية الى اوتو هاهن وحده فتمتلئ روح ليزا بالمرارة وتقول له " الا ترى؟ انا اساسا غير موجودة في نظرهم ، فيقول لها ببراغماتية واضحة " لابأس, لولا عون هؤلاء الفيزيائيين لنا ماتوصلنا الى اية نتائج "
وإثر اكتشافاتها الباهرة انتقلت هي و "اوتو هاهن" للعمل كأستاذين في معهد القيصر ويلهلم للكيمياء ،وأصبحا متساويين في المنزلة الوظيفية والأجر فكانت أول امرأة تحصل على لقب الاستاذية في ألمانيا ،ليفاجئها هاهن ذات مساء بأنه خطب صديقتهما المشتركة طالبة الفنون، فتصدم ليزا صدمة كبيرة ويسقط القلم من يدها لكنها تتماسك وتهنئه بقوة، وبسبب قوتها الروحية وشغفها العظيم بالفيزياء تجاوزت صدمة خيانته لها وبينما كانت على وشك التوصل لاكتشاف من اهم الاكتشافات حول عنصر اليورانيوم في بداية الثلاثينات ، ارتقى النازيون الى السلطة وكان اول اجراءاتهم طرد الاكاديميين الغرباء فطردوا انشتاين السويسري سنة 1933 وبقيت ليزا حتى احتلت المانيا النمسا 1938 فيضعف موقفها ثم يبلغها هاهن باسم رئيس المعهد "ارحلي عن ألمانيا."
يتبع