عند الفتنة يصبح صوت العاقل نشازا وصوت الجاهل مرغوبا. أغلب العقلاء يلوذون بالصمت. أحد المعلقين على عمودي يوم امس قال واصفا حاله أمام ما يراه اليوم "اذا اني ما اغلس ترة 80 بالمية من أصدقائي اتخارب وياهم". وفي المقابل هناك من يرى ان السكوت على الخطأ، أيا كان مصدره، جريمة.
صيحات عديدة تسيطر على المشهد وتلفه أحيانا. احدها، وهي السائدة الآن، اختصرها قارئ رد علي بعنف: "أستاذ هاشم إنها الحرب وحسب ما سمعت من أهلنا اذا تعرض الوطن للحرب واجب علينا الدفاع عنه لا انتقاد قادته". بالمناسبة كثير من مثقفينا يقول ذلك أيضا. ويضيفون عليها "لنترك السلبيات وكشف الأخطاء ونركز على العدو فقط". لأترك الجواب على هؤلاء الآن وأنتقل إلى صيحة أخرى.
يكثر السياسيون وبعضهم من أقطاب السلطة، لا بل وحتى رئيسها، من طرح سؤال: هل يعقل ان داعش، بعددها القليل وسلاحها المحدود، تهزم جيشا يزيدها بآلاف مؤلفة من العدد والعدة؟ يسألوننا ويجيبون بأنفسهم: هذا يعني ان هناك مؤامرة. نعم هذا احتمال وارد لكن قد يكون هناك غيره، ان لم نحتكم للعاطفة فقط. هناك شيء اسمه الحرب النفسية. وهذا ليس له علاقة بالعدة والعدد بل انه علم قد ينتصر به الفرد الواحد الذي يتقنه على 100 الف لم يتسلحوا بأدنى قواعده.
بالمناسبة أشار القائد العام للقوات المسلحة إلى ان هناك إشاعات ما، أدت إلى هذه النكسة. والإشاعة أحد أسلحة الحرب النفسية. ألم يقل التاريخ بان المسلمين خسروا الحرب في معركة أحد بفعل إشاعة؟ لم يقل احد إنها مؤامرة. ناهيك عن القول المشهور "ان الحرب خدعة".
أقولها بصراحة مرة، اعلم أنها قد تعرضني لأكوام من الشتائم والاتهامات، ان ما أراه اليوم يكشف بوضوح عن جهل مدمر بإدارة الحرب النفسية ضد داعش بالتحديد. وأشير بالصراحة ذاتها إلى التقارير والدراسات والمقالات الغربية التي تؤكد ان داعش تستخدم الحرب النفسية والدعائية بكفاءة عالية.
أعود إلى حيث بدأت. نعم من الضروري ترك أخطاء الماضي وخلافاته في هذا الوقت العصيب. لكن هل من الحكمة والعقل ان نرى أخطاء تستمر وأخرى ترتكب اليوم ونسكت عليها؟ سنفعلها ونسكت لو أنها تتعلق بمشروع خدمي أو قانون مالي مثلا. لكن كيف يمكننا السكوت وما يرتكب من أخطاء اليوم من قبل السلطة في مجال الحرب النفسية سيكون ثمنه انهارا من الدم أو خرابا شاملا للبلد لا سمح الله؟
نعم، ان خطط الحرب النفسية، بما يتلاءم وطبيعة ما يدور بالعراق الآن، يجب ان تطرح بشكل مباشر على أصحاب الشأن وليس عن طريق كتابة الأعمدة. لكن من يقود البلد في هذه الأيام للوقوف بوجه أبشع وأشرس عدو دموي ظلامي، مصر على انه الأفهم والأصلح والأقدر دون أي دليل يثبت ما يدعي. لقد صم أذنيه وأغلق عينيه عن كل ذي خبرة وصار لا يثق إلا بمن يمجّده، وسلّط من لا يفهم على مقدرات الإعلام الذي هو القاعدة الرئيسة للحرب النفسية.
ما عسانا ان نفعل غير ان نكتب للناس فلعلها تتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود! ولعلنا نسهم قدر الإمكان في حماية ما نتمكن من أرواحهم ودعم الوطن، في أمل ان يسمعنا المخلصون بدءا من المرجعية العليا ونزولا إلى كل مواطن عاقل وسياسي نزيه.
بتواضع جم أقول إنني سأضع خبرتي في مجال الحرب النفسية، التي لا أدعي بأني علم من أعلامها، في خدمة هذا الشعب المبتلى، والله وحده يعلم اني لا أبتغي من وراء ذلك جزاء ولا شكورا.
انتظروا مني في الأيام القادمة سلسلة أعمدة أتمنى ان أوفق من خلالها في تقديم شيء مفيد.
الحرب النفسية ضد داعش
[post-views]
نشر في: 22 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
عراقي
الدكتور هاشم العقابي أعانك الله والعراقيين جميعا على عبور هذه المرحلة دكتور واضح لكل متابع لعمودك حجم الضقط النفسي الذي تتعرض له انت وجميع مثقفين وسياسيين العراق والتجنب الواضح حرجا عدم ذكر حقيقة مايجري على قاعدة لأصوت يعلو على صوت المعركة ،وطبقا للقاعد
حامد اسماعيل حسين
الاستاذ الفاضل هاشم العقابي المحترم.......ارى في مقالكم الجميل تعجب واستفسار لإعلام مختار العصر نوري المالكي ماهذا الأداء الهزيل والذي لا يمت صلة بالأعلام وإنما شغلها الشاغل تقسيط الأخريين وتخوين كل من ينتقد الحجي الفطحل نوري المالكي حتى كان في طيات كلام