تتباين الأخبار حول أعداد المشاركين في التظاهرة المؤيدة لداعش، والتي انطلقت الجمعة في مدينة معان الجنوبية، وهي من بؤر التيار السلفي الجهادي، وتتراوح الأرقام بين 30 و200 ، ولا يبدو العدد مُهماً بقدر أهمية الحدث، المتناقض مع الرؤية الرسمية حول المنعة، والاقتدار على تجنب آثار ما يجري في دول الجوار، من تمدد لهذا التنظيم الإرهابي الذي بادر مؤخراً لتوجيه التهديد للرسميين الأردنيين، ودعوة أهل معان للتمرد على الطاغوت، باعتبار أن معان هي فلوجة الأردن ، وقد أتت الاستجابة على شكل هذه المظاهرة، التي انطلقت تحت شعار جمعة النصرة لدولة العراق والشام، وابتهاجاً بما سماه المتظاهرون "الفتوحات العمرية"، مطالبين بهدم حدود سايكس بيكو.
لم يعرف الأردنيون الطائفية والتعصب، ربما لأن الغالبية العظمى من مسلميه ينتمون إلى مذهب واحد، ويتعايشون مع مسيحييه بود وصفاء، نظراً لتقارب العادات العشائرية، أما في معان فإن بذرة الطائفية تنمو على يد داعش، التي تؤكد أنها تنظيم طائفي، إذا اعتمدنا تعريف عالم الاجتماع علي الوردي للطائفية، بأنها " ليست ديناً، وإنما هي نوع من الانتماء القبلي إلى مذهب أو شخص معين، والفرد الطائفي حين يتعصب لمذهبه، لا يهتم بما في المذهب من مبادئ خلقية أو روحية، فذلك أمر خارج عن نطاق تفكيره، وكل ما يهتم به هو ما يوحي به التعصب، من ولاء لجماعته وعداء لغيرهم".
تقول الأنباء إن المتظاهرين هم فئة قليلة من التيار الجهادي السلفي، وأنه كان واضحاً الانقسام بين مؤيدي داعش ومؤازري جبهة النصرة، كما كان واضحاً غياب رموز هذا التيار، في تعبير عن عدم الرضا عن المسيرة، التي بدت وكأنها استجابة لنداء وجهه أحد أبناء المدينة المقاتلين في صفوف داعش في سوريا، والمكنى "الشيخ الغريب الأردني"، وحمل دعوة للتمرد وحمل السلاح ضد النظام، والعمل على تحقيق هدف إقامة دولة الخلافة، والأردن جزء منها، كما تبين خريطة لتلك الدولة وزعها التنظيم، وتشمل سوريا والعراق والأردن وفلسطين ولبنان والكويت.
حيثما تكون داعش تكون الفتنة، فمسيرة معان خروج حتى على مفاهيم التيار السلفي بالمدينة، حيث وصفت قيادة التيار المشاركين في المسيرة بأنهم من صغار السن المغرر بهم ولغايات سياسية، ولفتت أن بعض الاشخاص المنظمين لهذه المسيرة ذوو توجهات مشبوهة، وغير حريصين على مصلحة الوطن والأمة، كما أصدر "شباب المساجد" بياناً يتبرأون فيه من تلك المسيرة، التي ستضر بالوطن وبمدينتهم، ما يعكس في نهاية الأمر تأثير ما يجري في سوريا، من صراع بين النصرة وداعش على المنتمين لهذا التيار في الأردن، كما تعكس المسيرة تأثير " الانتصار العسكري" لداعش في العراق، على أتباع التنظيم في معان، المنتشي بتلك "الانتصارات"، وليس معروفاً كيف تكون ردة فعل هؤلاء، في حال انتصر الجيش العراقي وكنس الداعشيين من بلاد الرافدين.
صحيح أن في اختلاف أتباع هذا التيار وانقسامهم رحمة، لأنه سيؤدي إلى ضعفهم، لكن الصحيح أيضاً أن ذلك سيزيد أعباء الأجهزة الأمنية، التي ستجد نفسها في مواجهة جماعتين تختلف مواقفهما، ولو أنهما ولدا من رحم القاعدة والتطرف والإرهاب، ما يعني أن على كل مسؤول في الأردن التنبه واستثمار الانقسام، في انتظار حسم الأمر في ساحات القتال في سوريا والعراق، على أن يترافق ذلك مع مراقبة لصيقة ومثابرة، لكل أتباع هذا التيار، سواء كانوا من مؤيدي النصرة أو مؤازري داعش، فالكل يرتوي من نبع الإرهاب والتطرف.
في اختلافهم رحمة.. ولكن
[post-views]
نشر في: 22 يونيو, 2014: 09:01 م