مهلا ... اعلم ان بعضكم سيتهمني باني ( غفلان ) ، وسيقول بان كل الامتحانات ولكافة المراحل قد انتهت تقريبا ، فما الداعي بان تكتب اليوم عن الغش في الامتحانات ؟ ثم ما الذي تعنيه بالغش الالكتروني ؟ فنحن نعلم ان الغش في الامتحانات ومنذ سنوات عديدة يشمل ( ال
مهلا ... اعلم ان بعضكم سيتهمني باني ( غفلان ) ، وسيقول بان كل الامتحانات ولكافة المراحل قد انتهت تقريبا ، فما الداعي بان تكتب اليوم عن الغش في الامتحانات ؟ ثم ما الذي تعنيه بالغش الالكتروني ؟ فنحن نعلم ان الغش في الامتحانات ومنذ سنوات عديدة يشمل ( البرشام ) ويعني تلخيص بعض المواد وكتابتها بحروف صغيرة في ورقة صغيرة ، وغالبا ما يتم اكتشاف البرشام من قبل المراقبين .
إذن ما تعني بالغش الإلكتروني أولا ؟ وما أنواعه ، ان كانت له أنواع ثانيا؟
أقول ... اذا كانت هذه هي اسئلتكم ، فاسمحوا لي بان أقول عنكم بانكم انتم ( الغفلانين ) ولا تعرفون شيئا عن الغش الالكتروني ، اذ اني انتظرت حتى تنتهي الامتحانات لكي اكتب عن هذا النوع من الغش لكي لا يستغل البعض هذه المعلومات التي سأذكرها اليوم ، وربما يتهمني حينها البعض باني ساعدت الطلبة على الغش ، ان لم يتهمني البعض بالإرهاب لأني هددت الأمن الوطني حينما وضعت التكنولوجيا الحديثة في خدمة الطلبة الغشاشين .
معنى الغش الإلكتروني
حسنا ، قبل ان أحدثكم عن الغش الإلكتروني لابد من تعريف معنى الغش في الامتحانات والذي يفسره البعض بانه استخدام وسائل غير مشروعة للحصول على إجابات صحيحة ينقلها الطالب أو الطالبة من دون وجه حق ، وهو إهدار لقيمة تكافؤ الفرص وهو ايضا عدوان صارخ على الأمانة والصدق ، ومن هنا نستطيع القول ان الغش يعتبر ظاهرة خطيرة وسلوكا مشينا حتى بات المدرسون والمعنيون يشكون من تعدد أنواع الغش ما يهدد المسيرة التربوية خاصة اذا ما علمنا ان الغش شمل كل المراحل حتى وصل الى الكليات حيث كان طلبتها والى وقت قريب بعيدين كل البعد عن الغش ، واكثر أنواع غش طلبة الكليات يكمن في أطروحات تخرجهم التي لا تحمل من مجهودهم شيئا سوى وضع اسمهم على غلاف الأطروحة التي يتسلمونها جاهزة من مكاتب الاستنساخ.
ربما أصاب بعضكم الملل وانا أتحدث في أشياء ربما تكون بعيدة بعض الشيء عن أصل موضوعي وهو الغش الالكتروني الذي تعددت أنواعه وأساليبه ، واليكم بعض أنواعه كما حدثنا عنها أستاذ الحاسبات في كلية الهندسة الدكتور تحسين صادق
فقال :-
مع بداية كل امتحان ينشط الكثير من الطلبة في البحث عن أساليب جديدة للغش تساعدهم في الحصول على معدلات تؤهلهم للدخول بكليات جيدة تلبي طموحهم ، ونراهم بدلا من ان يجتهدوا في الدراسة يبحثون عن نوع جديد من الغش الذي اصبح ظاهرة عالمية تشمل كل دول العالم لكن تلك الدول تتوفر فيها اجراءات تساعد على الحد من الغش بصورة لا بأس بها سيما ظاهرة الغش الالكتروني او الرقمي التي بدأت تستشري بكثرة مع التطور الهائل في أجهزة الاتصال المتنوعة ، حيث وصل الأمر الى حد الترويج لتلك الأجهزة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي ، وهذا ما اجبر وزارتي التربية والتعليم العالي على منع إدخال أجهزة الموبايل الى قاعات الامتحان .
نظّارة طبية غشّاشة
لكن .... ما علاقة أجهزة الموبايل بالغش الالكتروني الذي نتحدث عنه ؟
نقول ...اغلب أنواع الغش الالكتروني يعتمد بشكل مباشر او غير مباشر على أجهزة الموبايل لذا تم منع ادخالها الى قاعات الامتحان .
*لكن هل لك ان توضح اكثر وتحدثنا عن أنواع الغش الالكتروني ؟
- استخدم الطلبة الغش الالكتروني وأساليب الغش الاخرى التي قد يجهلها الكثير من مدراء القاعات الامتحانية لذا فعلى وزارتي التربية والتعليم العالي العمل بجد للتعريف بأنواع الغش والعمل على استعمال أجهزة حديثة تحد من هذه الظاهرة .
• لكن ...لم تحدثنا الى الآن عن أنواع الغش الالكتروني؟
- نعم استطيع القول ان أنواع الغش الالكتروني كثيرة ، فقد ظهرت مؤخرا مجموعة من الأقلام تستخدم في الغش، وهي عبارة عن قلم عادي ولكن بأحد جوانبه طرف معدني عند جذبه يمكنك مشاهدة ورقة صغيرة عليها ملخص أجزاء من كتاب المادة بخط صغير ، وهناك ايضا النظارة الطبية التي ظهرت مؤخراً ايضا وهي طريقة غريبة للغش اذ هذه النظارة تحتوي على سماعة لاسلكية متناهية الصغر بلون الجلد وفي منتصفها كاميرا فيديو لا يمكن رؤيتها إلا بصعوبة شديدة، فعند دخول الامتحان تنقل كاميرا الفيديو ما يقرأه مرتديها في ورقة الأسئلة، ليراها شخص آخر يكون خارج الامتحان عبر لابتوب أو هاتف جوال فيقوم بالبحث عن إجابة السؤال ثم يقوم بتلقينه عبر السماعة اللاسلكية.
*قلت فعلا انه تطور كبير في أنواع الغش الالكتروني ، لكن هل هناك أنواع اخرى ؟
يبتسم الدكتور تحسين ليقول : بالتأكيد هناك أنواع اخرى منها سماعات لاسلكية حيث يقوم البعض باستخدام سماعات لاسلكية صغيرة متناهية الصغر للغش أثناء الامتحانات، فيقوم الطالب بوضع سماعة صغيرة بلون الجسم في الأذن، وعند دخول الامتحان يتلقى الطالب من خلالها الإجابات من شخص يكون خارج الامتحان حصل على ورقة الأسئلة من أحد الطلبة الذين خرج مبكرا.
وساعات اليد أيضا
وأشار الدكتور تحسين ... هناك ايضا ساعة اليد الكبيرة التي يرتديها الطالب في يده وهي في الأصل عبارة عن شاشة مرتبطة بكارت (ميموري) مسجلا عليه المنهج بالكامل ومبوبا تبويبا يسهل على مستخدم الساعة تصفحها في ثوان باستخدام أزرار جانبيه، وهناك كذلك الآلة الحاسبة التي تظهر وكأنها بالفعل آلة حاسبة عادية لكنها في الأصل عبارة عن تلفون محمول يرسل من خلاله الطالب (الغشاش) صورة ورقة الإجابة التي تُلتقط باستخدام كاميرا الآلة الحاسبة (التلفون النقال) ثم تستقبل الإجابة مرة اخرى ويتصفحها على شاشة الآلة الحاسبة.
حسنا ،بعد ان تعرفنا على اهم أنواع الغش الالكترونية ، كان لابد لنا ان نتعرف على أسباب الغش ، ولمعرفة الإجابة على سؤالنا هذا التقينا بالدكتور رياض ثامر أستاذ علم النفس الاجتماعي في كلية التربية فقال :-
ان اهم أسباب الغش تكمن في ان بعض الطلاب الفاشلين يرون زملاءهم ومنذ بداية العام الدراسي وهم يجدّون و يذاكرون ويدرسون ويهيئون أنفسهم للامتحان الأخير ، وهم لا عمل لهم إلا اللعب و المرح ، فإذا ما جاءت الامتحانات النهائية تراهم يطلبون المساعدة ، و يطلبون النجاح حتى لو كان ذلك بالغش.
وأشار الدكتور رياض الى ان هناك سببا آخر للغش وهو الخوف من الرسوب ، اذ ان الخوف من الفشل والخوف من الرسوب يسببان قلقا مستمرا للكثير من الطلاب ما يجعلهم يلجأون إلى الغش كسبيل للنجاة ، اضافة الى ذلك هناك أسباب اخرى للغش منها ضعف الإيمان وضعف التربية ووساوس الشيطان الذي يزين لكثير من الطلاب بأن الأسئلة سوف تكون صعبة ، و لا سبيل إلى حلها والنجاح في الامتحانات إلا بالبرشام و الغش.
مساوئ الغش
لكن ... لا يعتقد أحدكم ولا تظنوا ان مساوئ الغش تنتهي مع نجاح الطالب الغشاش ، اذ ان حالة الغش ستستمر عند هذا الطالب الذي نجح دون استحقاق وبلا أي مجهود او تعب ، ومن هنا نستطيع القول ان آثار الغش مستقبلا كثيرة ، ولكي نتعرف على هذه الآثار السلبية للغش كان لابد لنا من اللقاء بأستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب الدكتور نوري لبيب الذي قال :-
ان الغش له أشكال متعددة ، و يدخل في مجالات شتى ، و لكن من أخطر أنواع الغش هو الغش في الأمور التعليمية ، وذلك لعظيم أثره وشره ، ومن اهم آثار الغش السلبية هو ان الغش سبب مهم في تأخر البلد ،أي بلد، وعدم تقدمه وعدم رقيه ، و ذلك لان الأمم لا تتقدم إلا بالعلم وبالشباب المتعلم ، فإذا كان شبابها لا يحصل على الشهادات العلمية إلا بالغش ، فماذا سوف ينتج لنا هؤلاء الطلبة الغشاشون ؟
سؤال صعب والجواب اصعب ، اذ لا شيء مفيد يمكن ان يقدمه هؤلاء الغشاشون اذ ان غاية همهم هو الحصول على الشهادة المزورة وبالتالي ليحصلوا على الوظيفة ، لكن ماذا سيقدم هذا الغشاش في وظيفته ؟ أكيد سيستمر غشه في عمله وفي تعامله مع المواطنين .
أول الغشاشين
حينما كنت اكتب موضوعي هذا ، جاء الى جانبي احد الزملاء وحينما علم محور تحقيقي هذا قال سأزودك بمعلومة مفيدة جدا وهي معلومة حقيقية تبين ان الغش الالكتروني لم يأت نتيجة التطور التكنولوجي الذي وصلنا بعد العام 2003 ، اذ اخبرني زميلي بان شخصا من أهالي كربلاء يدعى ( ب – م ) يعتبر اول الغشاشين الالكترونيين اذ تمكن من ابتكار ( القلم الغشاش ) وذلك في العام 2001 حينما كان طالبا في اعدادية الصناعة حيث أعطى القلم المبتكر لأحد زملائه الأذكياء، ليقوم بهمس الحلول عبر القلم، فتصل إلى بهاء خلال لاقط صغير يضعه في القميص ، والقلم يعتمد عمله على مايكرفون يرسل الموجات الصوتية عبر موجات الـ FM باستخدام راديو صغير موجود في القلم الغشاش الذي لم يكلف مخترعه سوى 25 ألف دينار (اي ما يعادل 9 دولارات في حينها)، وكان مبلغا كبيرا آنذاك، لكن "القلم الغشاش" الذي كان بيد أحد الطلبة الأذكياء، وكان يضعه قرب فمه ليتحدث بالحلول عندما يبتعد عنه الاستاذ، ليستقبل الكلام الطالب الغشاش عبر هيدفون صغير مثبت على اليد بحجة أنها مجروحة.
مراقب مركز امتحاني
اعلم اني التقيت الى الآن بأشخاص ربما كانوا بعيدين بعض الشيء عن أساليب الغش الالكتروني حيث انهم لم يكونوا مثلا مراقبين في المراكز الامتحانية ، لذا كان لابد من كمال التحقيق بلقاء احد المشرفين حيث التقينا بمدير احد المراكز الامتحانية السيد خلدون جاسم الذي قال :-
استثمر الطلبة التكنولوجيا الحديثة وادخلوها في الغش مشيرا الى إن "القصاصات الورقية الصغيرة (البراشيم) كانت السبيلُ الوحيد للغش في امتحانات الزمن الماضي، لكن مع انفتاح البلد على الأنظمة التكنولوجية وأدواتها وتجذر ثقافة الغش خلال فترة الامتحانات ابتكر الطلبة جملةً من الطرق والوسائل الغريبة التي يصعب ضبطها في قاعات الامتحان".
وأضاف السيد خلدون أنَّ أحد الطلبة ابتكر طريقة فريدةً من نوعها حيث قام بخياطة قميصٍ بياقة طويلة تُخفي بين قماشها سماعة اذن موصولة بسلك ممتد حتى أسفل القميص حيث تتصل بجهاز mp3 صغير الحجم، حيث يقوم الطالب مع بداية الامتحان يضغط زر التشغيل في الجهاز الصغير ليظهر صوتٌ لشخص يقرأ معلومات من المنهج الدراسي، والطالب يقوم بتدوينها على ورقة الامتحان .
وهناك طريقة أخرى ( والحديث للسيد خلدون ) حيث يقوم الطالب باقتناء سماعات "بلوتوث" مكونة من جزءين؛ الاول بحجم نواة البرتقال يتم دفنها في الأذن ويتم التواصل عبرها مع شخص خارج القاعة باستعمال الهاتف الخليوي اذ لدى الشخص الذي يقف في الخارج كتاب مدرسي يقرأ منه ما طلبه زميله المتصل من داخل القاعة.
نعم ... نكتفي بهذا القدر من المعلومات عن الغش الالكتروني وكلنا أمل بان تقوم وزارتا التربية والتعليم العالي بسحب أجهزة الهاتف والبلوتوث من الطلبة قبل دخولهم قاعات الامتحان .
وقبل ان اختتم تحقيقي هذا لابد من ذكر معلومة طريفة تتعلق بأستاذ مادة التربية الاسلامية الذي كان احد اسئلته شرح حديث نبوي وهو ( من غشنا ليس منا) وبقي يتبادل الحديث مع استاذ آخر ، اذ كان مطمئنا من ان الطلبة لن يغشوا في مادة التربية الاسلامية الا انه فوجئ بان عددا كبيرا من شرح الحديث النبوي كان متشابها ما يدل بان الطلبة ( غشوا ) في امتحان المادة الاسلامية ايضا .
