استيقظت بعض قرى اطراف بغداد الغربية فجر اعلى دخول المسلحين إليها واحتلالها ..كان اصعب ما يمكن ان يفكر فيه الاهالي هو مغادرة منازلهم واراضيهم لكن زحف المسلحين لم يعطهم خيارا آخر فبقاؤهم يعني قبولهم بالارهاب وهم ابعد ما يكون عن ذلك فكل ما كان يشغلهم هو رعاية اراضيهم الزراعية وحيواناتهم وشراء سيارات لأبنائهم ليعملوا بها في نقل الخضروات او خطوط نقل الطلبة والموظفين ..اتصل كبارهم بالجيش طالبين منهم التوقف عن قصف المنطقة لحين خروج الأهالي منها فرفضوا خروجهم كما فعل المسلحون من قبل ...كلا الطرفين يريدون استخدامهم كدروع بشرية لحماية انفسهم لكنهم عوائل عديدة تضم الشيوخ والرجال والنساء والاطفال والمرضى والحوامل ..
بعد ان اشتدت المجابهة بين الطرفين ولم تنفع المنازل في حماية العوائل ، قرر كبار القرية الخروج من المنطقة لإنقاذ ما يمكن انقاذه فلو فقدوا افرادا ربما سيحمون الاخرين ..تركوا منازلهم وسياراتهم وخرجوا جميعا سيرا على الإقدام تحت النار ..كانوا يلجأون الى الانبطاح والزحف في الأراضي المزروعة وكانوا يحثون العاجزين والمرضى والحوامل على السير الى الأمام فليس هناك خيار آخر ...اصيب بعض منهم بشظايا وواصلوا طريقهم رغم ذلك ..بعد عدة كيلومترات من السير والزحف تحت النار ، وصل الاهالي الى مشارف بغداد وتمكنوا من الدخول الى منازل اقاربهم بأعداد كبيرة لا تسعها منازل المدينة ..بعد ايام من التكدس في تلك المنازل كأسماك السردين المعلبة ، قرروا بمساعدة انسبائهم النزوح الى محافظة كربلاء الآمنة لكيلا يفقدوا ابناءهم في اعتقالات عشوائية ربما تتعرض لها بعض احياء بغداد ..
في كربلاء ، وجدوا منزلا تبرع لهم به نسيبهم ومنازل اخرى قاموا باستئجارها اما الاثاث واللوازم البيتية فلم يفكروا بها لأن اهل الخير والشهامة من اهالي كربلاء اغرقوهم بها كما وفروا لهم الملابس والادوية فهم ( نازحون ) لم يحملوا معهم الا الملابس التي يرتدونها ..
بهذه الطريقة يفكر العراقيون ، بإسعاف المحتاج ومساعدته دون النظر الى هويته ..هذا هو ثوبهم الحقيقي الذي يحاول الساسة تلطيخه ببقع الأحقاد والطائفية ...
وسط كل هذه الفوضى ، مازالت بعض نساء النازحين يحلمن بصيام شهر رمضان في منازلهن ..تتساقط دموعهن وهن يستذكرن انتقال اواني الطعام من منزل لآخر قبل الإفطار وكيف يذهب رجالهن أفواجا لأداء صلاة التراويح بينما يتزاورون في حدائق منازلهن الواسعة الجميلة لتزجية الوقت لحين حلول موعد السحور حيث يتلذذ الكبار والصغار بتناول (طاسات الروبة ) التي تنعم بها عليهم ابقارهم ..
هل سنعود الى منازلنا ؟ تسأل النساء ويلح الاطفال فيجيبهم الرجال بالصمت والحيرة ..تغير النساء السؤال : لماذا فعلوا بنا كل هذا ؟ ..يزداد الصمت وتكبر الحيرة ..
في النهاية وحين عجز الكبار عن الاجابة على اسئلة النساء والاطفال..قالوا لهم مباشرة ..لماذا لا تريدون الاعتراف باننا غادرنا منازلنا وحياتنا ربما الى غير عودة ..عيشوا على الذكريات ولكن تذكروا ايضا اننا الان مجرد (نازحين) ..والله اعلم ..
نازحون.. والله اعلم
[post-views]
نشر في: 23 يونيو, 2014: 09:01 م