بعد تجاهل عربي ودولي مُخل لما يجري في بلاد الرافدين، "باستثناء الاهتمام الإيراني"، عاد الشأن العراقي ليفرض نفسه أولوية في الساحتين الإقليمية والدولية، نظراً لخطورة الأحداث المتسارعة فيه على كيان الدولة، وما يتبع ذلك من رسم خرائط سياسية ذات طابع مذهبي، تُطيح حدود سايكس بيكو قبل قليل من الاحتفال بمئويتها، وإذ يُروّج البعض أن كل ذلك ناجم عن أخطاء واشنطن في التعاطي مع الشأن العراقي، فإنهم يتجاهلون أثر سياسات حكومة نوري المالكي، التي تمكنت ببراعة من استعداء المُكونين السني والكردي، حد قبول أحدهما بالقتال تحت رايات التطرف والإرهاب الداعشي، للتخلص من تلك الحكومة ورئيسها مختار العصر، خشية تحقق هدف "نهاية العراق".
النتيجة أننا أمام واقع أن داعش والذين معها، على وشك النجاح في إقامة "دولة" تقتطع أراضيها من دولتي سوريا والعراق، وتطمح بالتمدد إلى دول صغيرة تظنها لقمة سائغة، فيما يرى محللون أن المالكي مع كل شهوته للسلطة، مستعد لأن يكون القائد الأوحد لإقليم شيعي، إن فشل في حكم العراق كاملاً، وتلك رغبة تصطدم بسياسات طهران التي دعمت حكومتيه، لرفضها فكرة قيام دولة سنية مذهبية عند حدودها، تقطع "الهلال الشيعي" وتمنع تواصلها الجغرافي مع سوريا، كما أن المجتمع الدولي وحفاظاً على مصالحه، يرفض قيام دولة ظلامية متطرفة، وسط منطقة تنام على أكبر مخزون نفطي، وتهدد حلفاء الغرب المكلفين بالحفاظ على مصالحه في المنطقة.
يقف المتابع للوضع العراقي حائراً بين التطرف المذهبي لداعش والمالكي، غير أن المؤكد وجوب الوقوف في وجه داعش، وهي تعمل على إقامة دولتها، التي تستبق الإعلان عن اكتمال رسم حدودها، بتهديد عدة دول في المنطقة، بأنها على أجندة خطواتها القادمة، وليس هناك شك بأن الأردن سيكون أول الساحات المرشحة للتمدد، خصوصاً بعد أن باتت قوات هذا التنظيم متاخمة لحدوده مع العراق، مع أنه سيواجه صعوبات مختلفة في مملكة الهاشميين الخالية من التعصب المذهبي، والمتمتعة بتأييد دولي وإقليمي لاستقرارها، كما أن لبنان سيكون عصياً على الانضمام للدولة، لوجود قوات حزب الله المدججة بالسلاح العقائدي، وسيكون أقصى ما تستطيعه داعش، هو تفجيرات السيارات المفخخة، وبعض الأعمال الإرهابية، في بلد تتوزع ولاءات سياسييه بين أكثر من واحدة من عواصم الإقليم.
يدرك الجميع أن داعش ولتحقيق أهدافها السياسية، اتكأت على ما اعتبره السنة تهميشاً وإقصاءً لهم في العراق وسوريا، ودائما بدعم ايراني شديد الوضوح، ويتناسى هذا التنظيم أن صحوات العراقيين فتكت به وطردته من مناطقها، حين لاح لها أمل بالمشاركة في الحكم، قبل أن ينقلب المالكي عليها وكأنه يستثير فيها نوازعها الطائفية، ما يؤشر إلى أن مواجهة تطرف داعش، يجب أن تبدأ بإطفاء التوتر الطائفي في المناطق السنية، واستثارة الروح الوطنية، وبديهي أن ذلك لن يستقيم مع بقاء المالكي رئيساً للوزراء، وبغض النظر عن مصالح الدول الإقليمية، سواء تلك المتمسكة به، أو الرافضة لمنحه ولاية ثالثة.
يجمع الكل على ضرورة وأد فكرة الدولة الداعشية ، مع الثقة بأن سنة العراق لن يتعايشوا مع تطرفها، واستغلالها لانتكاسة العملية السياسية، نتيجة تشبث المالكي بالسلطة بغض النظر عن المصلحة الوطنية، ولن يكون ممكناً جذب أو "جلب" السنة لتلك العملية، مع شخص ينظر إليهم باعتبارهم متآمرين، يطمحون للعودة إلى حكم البعث، والمؤكد أن هزيمة داعش لن تتحقق، بالاعتماد على الجيش الرديف، وإنما بمساعدة أبناء المناطق التي اكتسحها التنظيم، الطامحين للعيش في ظل حكومة وحدة وطنية فعلية، لا تهمشهم ولا تهمش سواهم، وتكون عنواناً للوطنية العراقية التي تكاد تندثر، ما يسهل الفكرة الجهنمية بتقسيم العراق.
كم هو مؤلم اللجوء إلى لغة تفوح منها روائح الطائفية، لقراءة ما يجري في العراق.
الوحدة الوطنية للرد على داعش
[post-views]
نشر في: 23 يونيو, 2014: 09:01 م