TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > صولة أخرى في زمن التيه وغياب الوعي..

صولة أخرى في زمن التيه وغياب الوعي..

نشر في: 23 يونيو, 2014: 09:01 م

واظبتُ طوال سنوات الولاية الثانية للسيد نوري المالكي على توصيف الحالة التي ننزلق اليها بانتظامٍ مريب. وفي كل مرة كنتُ أكتب لأحدد ما يجري من تطور في المشهد وهو يتشكل، تبرز فيه لا عن قصدٍ ملامح من يظهر كقدر محتومٍ ليغطي على المشهد بكل تفاصيله، ويضع الن

واظبتُ طوال سنوات الولاية الثانية للسيد نوري المالكي على توصيف الحالة التي ننزلق اليها بانتظامٍ مريب. وفي كل مرة كنتُ أكتب لأحدد ما يجري من تطور في المشهد وهو يتشكل، تبرز فيه لا عن قصدٍ ملامح من يظهر كقدر محتومٍ ليغطي على المشهد بكل تفاصيله، ويضع النهاية الفاجعة لبلادٍ أنهكتها الآمال المؤجلة، ولشعبٍ تمزقت هويته الوطنية، بعد أن فقد الرجاء وغيّبت الطغمة الحاكمة وعيه التاريخي وسويته الإنسانية، لتتقاسمه هويات فرعية، كُتِبتْ على ورق البردي، بأختامٍ مزورة.

لم أكن قارئ كفٍ، أو هاوياً أستمرئ خوض معارك مجانية ضد أشباح. كما لم تكن من شيمتي أن أنال من ذاتٍ قُدِّرَ لصاحبها أن يحتل صدارة المشهد في غفلةٍ من الوعي العام، وفي بيئةٍ خيّم عليها التداخل والتقاطع بين إراداتٍ مهزومة من الداخل، ومُسيّرةٍ بفعل أضيق المصالح وأكثرها مدعاة للشبهات. والتزمت ببقية صبرٍ نافذٍ بما يستدعيه من متابعة نكوصٍ وتخلٍ عن عهود ومواثيق، وانفلاتٍ عابثٍ بكل ما له معنىً لقيمٍ وطنيةٍ أو أخلاقية، وما قد يحول دون انحدارٍ لا قرار له.
قلت في كل ما كتبت، إن هذا الذي يجري على يد من اخترناه خارج سياقات الحتمية السياسية، ليكون على رأس الدولة الهشّة، سيدفعنا لا محالة، في نهاية المطاف إلى قرار الهاوية.
قيل بازدراء أو شماتة أو استنكار أنني أبالغ في "الشخصنة"، وأتنكّب مسار المعالجة الموضوعية، وأتقصد استهداف شخصٍ بعينه، كما لو أنه وحده يحمل وزر الخطايا التي تلُم بالبلاد والعباد، وتُحيل كل ركن أو فردٍ فيهما إلى نيران تشتعل، وأرواح تُنتزع، وكبائر ومحرّماتٍ، لا توفر بقايا من دولة ولدت ناقصة عقلٍ، أو أقدار ناسٍ سُلبت إراداتهم.
ولم يتعفف صديقٌ، عن إثارة علامات استفهام على تقييماتي، من موقعه الجديد الملتبس، وهو يتعثر بين صداقته التي تكونت في زمن القيم الإنسانية الرفيعة والتوهج الوطني، وميلٍ يضعه في خانة الاشتباه بما أصاب مثقفينا من انكسار في الوعي، وعودة إلى هوية طائفية، تقطر جهالة وانحيازاً وتمرداً على حكمة العقل والضمير.
كانت علامات الاستفهام تلاحقني من أشباه المثقفين الذين تربّى نفرٌ غير قليلٍ منهم، في زمن التشوهات التي افرزها الاستبداد، وتشكلت في رُحم نظامٍ لا يعرف سوى الأبيض والأسود من ألوان الله. وهي تتلخص في عدة مفرداتٍ هي زاد من لا يتمثل بغير عورات ضميره المختل. وكثرة من الشتّامين، هم من حاوية مختارٍ أنكر أفعاله الواقع، أو حزب تسلل إلى السلطة فتنكّر لتاريخه، واصبح أداة غواية السلطة الغاشمة.
قبل الولاية الثانية، وفي وقت مبكر منها، قلت إن الرجل ينحرف. والمسار يؤشر للتسلط والانفراد. ومظاهر كثيرة تتجمع لتؤكد، أن صيحة "ما ننطيها" ليست دعوة للحفاظ على مسيرة ديمقراطية، بل إشهاراً لنهج الاستبداد والتغوّل. 
يومها، ومن منطلق فهمٍ خاصٍ لا أشكك بدوافعه، قال لي الرئيس: إنها عقدة الـ.......! 
(2)
من التجربة الحياتية، يتبين دائماً، وفي المنعطفات خاصة، أن العياط، ورفع الصوت والغلو في الإنكار، أو التطرف في التعبير عن المشاعر، والهيجان المذهبي والديني، لا يعكس قناعة أصيلة أو إيماناً خالصاً. والفرق بين الانتماء والإيمان مثل الصبغة الوراثية، وأحمر الشفاه. فالأول يمنح الصفات الأصيلة وتدفقات الحياة التي ستكون عليه النطفة، وأصباغ الشفاه تتلون، مع ساعات النهار والمواسم والمناسبات.! 
فأية صبغة يحملها دعاة الرجم بالخيانة والانحياز الى ولاة السلطة الجائرة وآباء الهزيمة والانسحاب المشبوه؟
اية علامة فارقة يحملها من يغمضون أعينهم عن هول الفجيعة والانكسار الذي يجرفنا، ويحرفون الانظار عن مسبباتها، وما تتطلبه من أدوات ووسائل وأساليب، لتصلِّب عودنا، ونواجه بها العاصفة، لنحاصرها ونبدد موجاتها، ونحيلها الى جحيمٍ لمن يتربص بنا جميعاً. لمُكفرٍ وارهابي، لا دين ولا مذهب له.
(3)
كيف يمكن أن أفهم هذا الزعيق المتعالي من الفضائيات الرسمية والطائفية في بغداد، وهي تزيّن صورة الفاشل والمهزوم، وتدفع تهمة تمزيق العراق عنه، وتعيد إنتاج فضيحة الفريق الحاكم، بذر الرماد في العيون، والتعبئة الشائنة ضد الكرد، ومحاولة إظهارهم، بمن قوض قوة الفاشل، وهم القوة المتبقية لبناء سورٍ يدافع عن عراقٍ اصبح شتاتٍ للعراقيين؟
(4)
على عجل، وبتفاخر واضح نجحت قناة العراقية في تصوير أغنية (كليب وطني) يغني في جوقة المنشدين حشد من الوجوه والأشباه، تتحرك شفاههم بنسقٍ متعطشٍ للظهور، كتقدمة للحرب ضد داعش. يقف في وسط الجوقة سيد الموقف والكلمة الصاعقة، ويحيط به رتل عسكريٌ متشوقٌ للوصول إلى ساحة المعركة!
وبين نشيدٍ وآخر، يتصاعد العويل، وهو يحمل كماً مقذعاً من الشتائم والتخوين ضد شعبٍ شاهد واستمع الى مثل هذه الاناشيد والاغاني، يتصدرها مثل هؤلاء، الفرق فقط في الأزمنة والمناسبات. يتذكر الكرد انها كانت تقترن بالأنفال، ويتذكر العرب انها كانت تلازم حملة قمع انتفاضة آذار. 
وأتساءل أبهؤلاء وما يحملون في عقولهم وضمائرهم، سنرد كيد داعش، ونطهر الوطن من رجسهم؟
أهذا الذي يذاع من العراقية والقنوات الطائفية الحاقدة، نشيد أم نشيج..؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. سامي

    شكرا لك صاحب الفكرة الراقية و الكلمة المنسقة المستخدمة في إيصال الفكرة بدون تأويلات الى القارئ. شتان ما بين اسلوبك في الكلام و الكتابة و أسلوب صاحب الكلام المتناثر إبراهيم الجعفري. للأمانة الدكتور رشيد الخيون هو من اطلق لقب صاحب الكلام المتناثر على الجعفر

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram