لا تستغربوا محاولة البعض في الضحك علينا بكلمتين حول الحرية والقانون واحترام الرأي الآخر وضمان الحريات، فتلك بضاعة لا ينفد معينها، ثم إنها بضاعة مجانية، لا تتطلب من أصحابها سوى تزويق العبارات وحبكها، وهي الصنعة التي راج سوقها في زمن العجز عن الفعل والاستقواء بالكلمات، إذ كما أن هناك من يفصّل القوانين على هواه فهناك أيضا من يجيد تفصيل الخطب لتناسب كل مقام وزمان، لا غرابة في كل ذلك، وإنما الغريب في الأمر أن يؤخذ مثل هذا الكلام على محمل الجد، والأشد غرابة أن يصدقه البعض، خذوا مثلاً الكلام الذي تحدثت به الاجهزة الامنية حول حظر بعض مواقع التواصل الاجتماعي والتهديد بقطع الانترنيت فهو حسب اخر تصريح حكومي: "جاء لضرورات أمنية".. الغريب والعجيب ان اصحاب هذه التصريحات العجيبة والغريبة هم اول من اخترق الحظر، ويمكن لأي منا ان يقوم بجولة في الفيسبوك فيرى صفحات السادة المسؤولين منشغلة بمعركة الشتائم والتخوين لكل من تسول له نفسه ان يسأل لماذا؟
ولان مقابل كل ضارة هناك نافعة كما يقول السلف الصالح فان الاجراء الاخير بغلق مواقع التواصل الاجتماعي ومعها التهديد بغلق الانترنيت وارهاب وسائل الاعلام التي تتحرى عن الحقائق ، يثبت بالدليل القاطع ان النظام السياسي لم يكن مؤمناً يوماً بحرية الإعلام، وأنه يصر منذ سنوات على تحويل وسائل الإعلام الى مجرد ديكور للديمقراطية، مطالبا على أصحاب هذه الديكورات ان يعرفوا حجمهم جيدا ، والمساحة المسموح لهم التجول فيها.
اعرف كما يعرف الجميع أن تدخُّل الحكومة في كل صغيرة وكبيرة.. أصبح كأنه قدر مكتوب، والرضا بالمكتوب صفة من صفات العراقي الصبور.. رضينا وصبرنا على فساد مسؤولين حكوميين كبار وتلاعبهم بأموال طائلة من دون وجه حق، رضينا بانعدام الخدمات في كل أمور حياتنا لان الحكومة لا طاقة لها بـ(تكفلنا) أكثر من هذا، رضينا بالكثير ولا داعي لزيادة اللف والدوران في هذا الموضوع حتى لا نصبح مثل (النادبات على القبور).. ولكن في المقابل عندما تصر الدولة على إن ساعة فطام العراقيين لم تحن بعد ، وأننا لايمكن لنا ان نلتحق بركب الدول العاقلة ونتجاوز نزق الإرشاد والتوجيه، الى مرحلة من النضج يكون فيها الإعلام هو إعلام المواطن وليس إعلام النظام، لكن يبدو ان البعض لا يستطيع أن يعيش دون إعلام حكومي ينقل من خلاله بياناته وخطبه واهازيجه وشعاراته .
يقول" آلان مينك": "وُلد الاعلام الحديث بنظري في القرن الثامن عشر عندما نجا بنفسه من هيمنة السلطة السياسية ومن سطوة الكنيسة، لقد أصبح المجتمع هو المحيط الذي يعيش فيه. وغدت المواجهة بينه وبين السلطة هي التي تحدد هويته ومجال إبداعه. لقد أصبح الإعلاميون يتأمّلون بالعالم المحيط بهم وغدت الصور والكلمات أفعالا والأفكار أسلحة والنظريات مدافع". وتحت عنوان: الحزب الأول يكتب مينك: "لايزال حزب الإعلاميين في تاريخنا أقوى وعلى الدرجة نفسها من التضامن مما كان عليه في الماضي". ويحدد المؤلف القول ان قوة الإعلاميين مصدرها الرئيسي هو أنهم يشكّلون كتلة متضامنة يوحّدها طموح مشترك وتؤكد ذاتها جماعيا على المسرح السياسي والمسرح الوطني".
الورقة الرابحة الأساسية لدى الإعلاميين يتم تحديدها بـ"تأثيرهم على الرأي العام". وينقل المؤلف في هذا السياق جملة كان فولتير قد كتبها لصديقه دالامبير عام 1767 وجاء فيها: "الرأي العام هو الذي يحكم العالم وعليكم أن تحكموا الرأي العام ".يقول تشارلز فريمان في كتابه إغلاق العقل الغربي "ان سبب تدهور اوربا في القرون الوسطى كان غياب الاعلام الذي ترك الأمور بيد رجال السياسة و الدين"، ويضيف " ان الحصانة الحقيقية للمجتمعات في تنشيط دور الإعلاميين، لذلك انغلق الغرب لقرون طويلة قبل ان يعود اليه الاعلام الحر يبعث به الحياة من جديد،
ولاان يمكننا أن نسأل: هل تشكل دعوة فولتير إلى اعلام حر ، أم أنها كانت استجابة منطقية لقضايا عصره الملتهبة المستمرة حتى اليوم؟ سواء أكانت العلاقة قوية أم واهية، فإنها بالتأكيد انعكاس لذلك الالتزام الأخلاقي الذي لا والضحك على البسطاء بشعارات طائفية ؟ لا جواب إلا في ملحمة الصحيح، التي ترفض ان يتحول الإعلام الى مجرد بوق يعزف نغمة نشاز واحدة.
لماذا يخافون من الاعلام ؟
[post-views]
نشر في: 23 يونيو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
monsun
صباح الخير هل كان سيحصل كل هذا لو ان القاضي مدحت المحمود صادق على قرار البرلمان العراقي بعدم جواز ولاية ثالثة لرئيس الوزراء؟ عندما يعرف اى رئيس وزراء انه لن يحق له الترشح فترة ثالثة ورابعة سيحكم بصورة مغايرة لما نراه الان خوفا من مَن سياتي بعده ويفتح ملف