اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > "الإشاعة " كيف تنتشر بسرعة؟ ولماذا نصدقها ؟ ومن المسؤول عنها؟

"الإشاعة " كيف تنتشر بسرعة؟ ولماذا نصدقها ؟ ومن المسؤول عنها؟

نشر في: 24 يونيو, 2014: 09:01 م

حينما أردت كتابة تحقيق عن الشائعات، تبادرت الى ذهني أهمية معرفة أول شائعة في العالم ؟ ومن اطلقها ؟ ومتى ؟وبعد السؤال والتدقيق عرفت ان أول شائعة في العالم اطلقها الشيطان أعوذ بالله منه.. عندما وسوس لآدم وحواء بأن الشجرة المحرمة هي شجرة الخلد .لكن ..

حينما أردت كتابة تحقيق عن الشائعات، تبادرت الى ذهني أهمية معرفة أول شائعة في العالم ؟ ومن اطلقها ؟ ومتى ؟
وبعد السؤال والتدقيق عرفت ان أول شائعة في العالم اطلقها الشيطان أعوذ بالله منه.. عندما وسوس لآدم وحواء بأن الشجرة المحرمة هي شجرة الخلد .
لكن ... مهلا وقبل ان نتحدث عن الشائعة لابد من وضع تعريف لها حيث تبين انها تعني خبرا أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع و تُتداول بين العامة ظناً منهم انها صحيحة ، ودائماً ما تكون هذه الأخبار شيقة و مثيرة لفضول المجتمع والباحثين . وتفتقر هذه الشائعات عادةً إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحة الأخبار . وتمثل هذه الشائعات جُزءاً كبيراً من المعلومات التي نتعامل معها .

وفي احصائية تبين أن 70% من تفاصيل المعلومة يسقط في حال تنقلها من شخص إلى آخر .

وفي أيامنا هذه حيث الوضع الأمني غير المستقر دائما ما تنتشر الشائعات بسرعة كبيرة ، منها ... داعش ستدخل بغداد قريبا، لا لم يصلوا بعد ، الأسعار ارتفعت ،أزمة وقود ، الحرب سوف تشتعل ! شائعات ... شائعات يجب ان نحذر منها لأنها ستصيبنا بالمرض الذي ليس له علاج .
العمليات الإرهابية سببت أمراضا نفسية كالقلق والأرق وانفصام الشخصية واللجوء إلى الانتحار أو الإدمان للتخلص من ذكريات مؤلمة فليس هناك عراقي لم يتعرض الى موقف شاهد فيه جثه محترقة أو أجزاء جسد ممزقة، دماء متناثرة في أرجاء المكان الذي تعرض الى التفجير ، حوادث أثرت نفسياً على مشاعر وتركيبة الانسان العراقي بشكل خاص وجعلته يعيش واقعا مؤلما مخيفا يصدق فيه أية شائعة تطلق صادقة كانت ام كاذبة. فطبيعة الرأي العام في حقيقته قائمة على أنواع من سلوك مجموعة من الأفراد ، وهذا السلوك فيه أشكال تتجه لموضوع ما...ومن ذلك يكون تأثير الدعاية والشائعة على المجتمع سريعا ومؤثرا فضلا عن ان الحرب النفسية لا تعمل باتجاه واحد بل مع خصمها والمجتمع وتحاول كسب الراي العام العالمي لعزل الخصم عن اصدقائه وكسب التأييد لها . الشعب العراقي عانى الويلات من خلال عدم استقرار أوضاعه وتورطه بمشكلات وحروب.
شائعات شائعات 
وكما يقال فإن للحديث شجون لما حدث في الأسابيع الأخيرة خصوصا الأمنية واطلاق شائعات مرعبة جعلت المواطن يعيش بمعزل عن العالم ويبحث عن ملاذ آمن يبتعد فيه عن الأقاويل والقنابل فكلاهما يسببان له الموت وان اختلفت الوسيلة ، حيث يقول المواطن سجاد حسن :الخوف يسيطر علينا من كل ما نسمعه ، لا تعلم من يصرح ويقول الحقيقة ، الأوضاع تسوء يوما بعد اخر وحالتنا النفسية أصبحت مرضا دائما وليس مؤقتا ويمكن علاجه بالمسكنات وتجاوز الأزمة لان الأزمات تتكرر بين فترة واخرى ، نريد السلام والأمان. بينما قالت (سرى) وهي طالبة في المرحلة الإعدادية وتؤدي الامتحانات الوزارية لهذا العام: "أصبت بحالة هستيرية من ان تقوم وزارة التربية بتأجيل الامتحانات النهائية والخوف من ضياع المستقبل والجهد الذي بذلته" ،وتستدرك سرى في حديثها قائلة :تركت الكتب وكل شيء وأصبحت أراقب شاشات التلفاز وما يعرض من اخبار عاجلة قد تحمل خبر التأجيل ، ولم أكن الوحيدة من الطالبات افعل هذا انما الكثير من الطالبات أصابهن الخوف والقلق وحتى عندما نذهب الى الامتحان نكون خائفين فالجميع يتحدث عن إمكانية دخول المسلحين الى المدارس واي مكان وحتى في القاعة الامتحانية. المدرسات يتكلمن عن الأوضاع الأمنية والخوف الذي يصيبنا من هذه الاحاديث والأقاويل ، فقط نريد إكمال الامتحان والعودة الى البيت .
كثـرة الشائعات تؤثر نفسياً وجسديا 
المجتمع الشرقي منبع شائعات أسبابها موجودة نتيجة الجهل والفقر والحسد وتفاوت المستويات الثقافية والاجتماعية في البيئة الواحدة وعدم توفر الضمانات الاجتماعية وحقوق الانسان . الأستاذ الاجتماعي عبد الزهرة الـماجد في حديث الى المدى قال: الأوضاع الأمنية وكثرة الشائعات أثرت نفسيا وجسديا على المواطن العراقي بشكل كامل وجعلته خائفا مصابا بالرعب والقلق من حدوث حاله معينه أمامه تجعله يفقد حياته او احد أفراد أسرته فغالبية من فقدوا أشخاصا من أسرهم أو أصدقائهم تعرضوا لأزمات نفسية حادة قادت بعضا منهم إلى الانتحار أو التحول إلى أشخاص عدائيين اضافة الى الغالبية ممن يعانون من أمراض نفسية وعصبية هم من النساء والأطفال، كونهم الحلقة الأضعف في المجتمع العراقي. والعمليات الإرهابية لم تحصد الأرواح فحسب بل حتى نفسية الناجين منها كما ورد في دراسات علم النفس الاجتماعي وحرب الدعاية لها أسماء متعددة منها حرب الأعصاب والحرب النفسية والحرب الباردة والحرب المعنوية وحرب الأفكار والايديولوجيات .والحرب النفسية اكثر خطورة من الحرب العسكرية لأنها تستخدم وسائل متعددة ,ولأنها توجه تأثيرها على أعصاب الناس ومعنوياتهم ووجدانهم .
وفي الغالب تكون مقنعة بحيث لاينتبه الناس الى أهدافها وأن أساليب هذه الحرب في العراق كانت نتائجها ايجابية بالنسبة للعدو حيث استخدموا أساليب (الدعاية والإشاعة) كسلاح ناجح ما أدى الى زعزعة ثقة العراقيين وانعدام ثقة الشعب بحكوماته مع بث الفرقة بينهم ، هذه هي حرب الشائعات ، حرب نفسية قاتلة .
أركان الحرب النفسية: الدعاية والشائعة
محمد القريشي طبيب اختصاص أمراض نفسية قال في تصريح لـ (المدى ):ان الحرب النفسية احد الأركان الأساسية في الحرب الشاملة ضد الشعوب عن طريق أساليبها : الدعاية والشائعة، ويكون تأثيرها كبيرا على الفرد من حيث اصابة نفسيته وشخصيته بتوتر وان اغلب من يتأثر ويتعرض الى أزمة نفسية هم من تعرضوا الى الخطف والتهجير او شاهدوا منظرا مرعبا مخيفا من حدوث انفجار أمامهم او حتى من كثرة الروايات التي يتناقلها الناس عن حدوث حوادث بالناس الأبرياء اضافة الى ما يتم تناقله من صور وأفلام عن تعذيب المختطفين وتشويه الجثث بعد قتلها ببشاعة كل ذلك تضاف اليه معاناة عوائلهم من الفقر والبطالة التي تقود الشباب الى الجلوس والتفكير بما سيحل عليهم غداً من فقر وضياع اذا لم يدفعوا إيجار بيت يأويهم من كل هذه المخاطر وما يتعرضون له من ضغوطات يومية تكاد تجعلهم يعيشون في واقع مرفوض منهم لكنهم لا يستطيعون التعبير عن ذلك الا بالرفض او الاستسلام ومنهم من يختار الاستسلام الباطني ليعيش بسلام لكن بعد ان اصبح يعيش في عالم الكآبة وينص قانون الصحة النفسية العراقي على توفير الإمكانيات والأساليب ووسائل العلاج الخاصة بالمرضى النفسيين ، لكن الواقع يشير الى ان أغلب مدن العراق تنقصها مراكز العلاج النفسي.
القانون العراقي: الحبس لمروجي الشائعات
وأشار القانون العراقي بفقراته المختلفة وفق المادة الثانية من قانون العقوبات لسنة 1969الماده 210 من قانون العقوبات الساري بالاتي : يعاقب بالحبس من أذاع عمدا أخبارا او بيانات او شائعات كاذبة ومغرضة او بث دعايات مثيرة اذا كان من شان ذلك تكدير الأمن العام او القاء الرعب بين الناس او الحاق الضرر بالمصلحة العامة.
ويعاقب بالعقوبة ذاتها من حاز او احرز بسوء نية محررات او مطبوعات او تسجيلات تتضمن شيئا مما ذكر في الفقرة السابقة اذا كانت معدة للتوزيع او النشر او لاطلاع الغير عليها ومن حاز أية وسيلة من وسائل الطبع او التسجيل او العلانية مخصصة لطبع او تسجيل او إذاعة شيء مما ذكر او أدى إهماله في أداء الواجب أثناء الحرب الى ارتكاب أي من الأفعال المذكورة في هذه المادة.
العراقيون مصابون بالكآبة 
وغالبا ما يصاب بالكآبة اُناس مثقفون ويملكون عقلية متزنة حيث يرددون كل يوم : متى ننام بسلام وأمان ونسير في الشوارع من دون خوف ،وهذا ما بدأ حديثه المواطن صلاح منصور (موظف) الذي كان يتأفف من الوضع الحالي. ويكمل حديثه وهو متشنج الأعصاب : والحال نفسه كل يوم ، توتر بسبب الزحامات ، خوف من حدوث انفجار عبوة ناسفة في السيارة التي يستقلها ، زجاج قد يتساقط على أجزاء جسدي ويقطعه الى أوصال ، السيطرة الحكومية او الوهمية المرابطة في الشارع الذي يسلكه كل يوم الى منطقته! لخوف من وجود السيطرة الحكومية او الوهمية المرابطة في الشارع الذي نسلكه كل يوم. 
ورغم صدور قانون الصحة النفسية العراقي رقم 1 لسنة 2005 الذي يهدف الى تامين رعاية مناسبة للمصابين بالاضطرابات النفسية والتخفيف من معاناتهم ومعالجتهم في وحدات علاجية متخصصة تتوافر فيها الشروط الملائمة بما يضمن تنظيم مكوثهم في الوحدات العلاجية المغلقة تحت الإشراف الطبي والقضائي ويؤمن حقوقهم الانسانية والاجتماعية ضمن برنامج علاجي تأهيلي منظم يسعى الى شفائهم وحماية المجتمع من خطورتهم وتنظيم العلاقة بين اللجان الطبية النفسية العدلية ذات الاختصاص الفني وبين الجهات العدلية المختصة إلا أنه اهتم بالمتمهين المرضى ولم يتطرق الى المشتكين وخطورة البعض منهم.
تراجع الأمل عند العراقيين 
بات الأمل يتراجع لدى غالبية المواطنين من إمكانية استقرار الأوضاع على المدى القريب ،الحرب القائمة الآن يستخدم فيها العدو أساليب نفسية لتحطيم المعنويات حيث ان ما يتم تناقله في وسائل الإعلام ودحض الشائعات التي تذكر ان رفع الأسعار بشكل كيفي كانت له آثار إيجابية وبدت مثار ارتياح الناس، الا ان غلق معظم الطرقات بين العاصمة بغداد ومدن شمالية كان يعول عليها في تزويد بغداد بمحاصيل زراعية يشكل السبب الرئيس لشح المواد الغذائية وارتفاع الأسعار ان المواطن العراقي حساس تؤثر فيه أية كلمة او شائعة فقد مر بتجارب مريرة سابقة، ولا أغالي ان قلت ان سنوات عمرنا تحولت كلها الى سلسلة معاناة كأنها لن تنتهي الترويجي والإعلامي النفسي على المواطن ايجابياً كي يستعيد ثقته بنفسه برغم التهديدات التي تمس حياته.
فيما بين الدكتور قاسم حسين صالح في تصريح الى الـ (المدى )قائلا :ان الحكومة العراقية لم تكن تستخدم أسلوبا صحيحا في محاربة الشائعات ومن يطلقها حيث ان المسلحين والإرهابيين يستخدمون أناسا لديهم خبرة في اطلاق الشائعات وعلم السايكلوجيا ومع الأسف هناك من قدم نصيحة بان يستخدم نفس الأسلوب ولدينا من يستطيع مجاراتهم وحتى التغطية على أساليبهم ومع الأسف كل ذلك يؤدي الى تأثير نفسي كبير لدى المواطن وسابقا كانت الشائعات تطلق في الحروب من اجل إثبات ان النصر محقق وان لم يكن كذلك .
ملايين العراقيين مصابون بفصام العقل 
منظمة الصحة العالمية وحسب دراسات أجريت ما بعد عام 2003 بينت أن الكثير من العراقيين قد تعرضوا الى الإصابة بأمراض نفسية مختلفة وقد سجل البعض منها ارتفاع في تلك الحالات وفي 2006 أجرت المنظمة مسحاً ميدانيا لعموم المؤسسات الصحية وقد سجلت ان نسبة الأمراض النفسية في البلاد بلغت 18.6 بالمائة فاذا احتسبنا عدد نفوس العراقيين (32 مليونا) فان نسبة المصابين بالأمراض النفسية (ستة ملايين) ولو أخذنا المصابين منهم بـ (بفصام العقل) وهم حسب النسب العالمية 0.85 بالمائة فسيكون رقما مفزعا 'ثلاثمائة الف مريض بفصام العقل'.هذا فضلا عن ان مالا يقل عن 40% من المراجعين للمستشفيات والمراكز الصحية والعيادات الخاصة هم بالأساس يعانون من مرض نفسي لا يرغبون بالبوح به او يظهر على شكل أعراض جسمانية متعددة عدا مرتادي العلاج الشعبي بالأساليب الروحانية والطقوس الدينية والسحر وغيرها. ولا يمتلك العراق، الذي شهد ثلاثة حروب مدمرة خلال العقود الأخيرة أسفرت عن أمراض اجتماعية ونفسية متنوعة، حلولا ناجعة ، لكن لاتزال الحاجة كبيرة للخدمات النفسية بالرغم من وجود ثلاث مستشفيات نفسية 'الرشاد وابن رشد في بغداد وسوز في السليمانية وازدياد عدد الوحدات النفسية الى 36 وحدة في انحاء العراق' كما أن عدد الأطباء النفسانيين في العراق هو اقل من العدد المطلوب عالميا في أي بلد، حيث لم يتبق في العراق سوى 80 طبيبا نفسانيا بعد 2003 وقد تعافى العدد الآن ليصل الى 200 طبيب حاليا 'اي طبيب واحد لكل 150000 نسمة' وهم لا يكفون لتخفيف آلام العراقيين وما بعد تجرعوه من ويلات الحرب.
اذن .... وللقضاء على الشائعات ولكي لا ندعها تؤثر في نفسية المواطن ، نقول ان على الأجهزة المختصة وضع الحقائق أمام المواطنين أولا بأول حتى وان كانت تلك الحقائق مؤلمة وسلبية لان ذلك افضل من فسح المجال للشائعات بان تأخذ مساحتها وحيزها في نفوس وعقول المواطنين فيكون تأثيرها اكبر وأوسع واشمل على المواطنين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram