رغم تباين التغطية الإعلامية لزيارة وزير الخارجية الأميركي لبغداد، فإن المؤكد أنه لم يكن فيها لدعم تطلعات المالكي لولاية ثالثة، بقدر ما سعى لتثبيت أسس العملية السياسية القائمة فعلياً على المحاصصة، وعدم الدخول في دوامة البحث عن مقاربة جديدة لواقع ما بعد سقوط الموصل، وسيطرة مناوئي الحكومة المركزية على مساحات شاسعة من الأرض، وقطع اتصال بغداد مع دولتين من دول جوارها العربي، وفق رؤية واشنطن فإن المطلوب مع المالكي أو بدونه شطب التخندق الطائفي السائد في أجهزة الدولة العراقية، وبحيث يكون للمكون السني دور يمنعه من التحالف مع "الشيطان"، واستحضار قدر معقول من الثقة بين بغداد وأربيل ليكون ممكناً لواشنطن ان تلعب دوراً في الحل الأمني المنشود، باعتبار أن هذا الحل غير ممكن إن لم يسبقه حل سياسي شامل ومقبول من أطراف الأزمة كافة، بغض النظر إن كان يخدم أهداف كل واحد منها، بقدر ما يخدم مستقبل البلاد ووحدتها.
يرى البعض أن تفعيل مواد الدستور الخاصة بكون العراق دولة فدرالية قد يكون بداية لإطفاء نار الأزمة، وليس سراً أن واشنطن لن تعارض إنشاء إقليم سني معتدل على غرار إقليم كردستان، لضمان عدم وقوع المناطق السنية تحت يد تنظيم داعش الإرهابي، كما أن الإدارة الأميركية معنية بنجاح تجربة الإقليم الكردي في بناء الذات، ولها فيه الكثير من المصالح، وهي لذلك لم تعارض دخول قوات البيشمركه إلى المناطق المتنازع عليها، وإن كانت تفضل الرجوع إلى الدستور لحل المشكلة، والمادة 140 تضمن ذلك إن اتفقت أربيل وبغداد على تفعيلها، والمهم أن التخطيط الستراتيجي الأميركي، المدعوم بقوة من معظم العواصم العربية، سيجد في تشكيل الإقليم السني ما يقطع امتداد الهلال الشيعي، من طهران حتى بيروت عبر الأراضي العراقية.
الموقف الإيراني يناهض في الظاهر التوجه الأميركي، ويشن هجوماً كاسحاً على ذلك التوجه، وإن كان في الحقيقة يوافق على تدخل عسكري أميركي لصالح المالكي، وهذا ما ترفضه واشنطن خشية الانزلاق في مستنقع الحرب الأهلية حال ظهورها كمناصر للمالكي، وفي الأثناء فان مختار العصر يتحصن بعناده متمسكا "بحقه" في تشكيل الحكومة الجديدة، حتى وإن رفضت أميركا تقديم العون للقضاء على داعش، التي يظن أن الجيش الرديف "العقائدي" قادر على هدم تجربتها قبل أن تنمو وتقف على قدميها، موقف العناد هذا مريح لبعض العواصم العربية، باعتبار أنه سيؤكد لواشنطن مسؤولية المالكي عما يحصل اليوم، فيفقد أي تأييد محتمل للقبول بولايته الثالثة، ولو كان ضئيلاً.
للأسف أسفرت سياسات المالكي وحزب البعث من قبل، عن تدمير دور المكون السني العربي في حفظ التوازن في الدولة العراقية الحديثة، فقد كان مقدراً له أن يكون عامل توحيد باعتباره عربياً مع الجنوب وسنياً مع الكرد، وبحيث بات الحل الأمثل اليوم في الفدرالية، التي يطالب بها الجميع ويرفضونها في الوقت نفسه، على أمل الاستئثار بحكم العراق كاملاً كما هو واضح عند المالكي، تحت شعار الحفاظ على وحدة البلاد وما يتطلبه ذلك من صلاحيات مطلقة.
كيري وإحياء التسوية العراقية
[post-views]
نشر في: 24 يونيو, 2014: 09:01 م