TOP

جريدة المدى > سينما > ميلو.. ألقُ المسرحِ سينمائياً

ميلو.. ألقُ المسرحِ سينمائياً

نشر في: 25 يونيو, 2014: 09:01 م

آلان رينييه – الذي غادر عالمنا مؤخراً- واحد ممن خلقوا وسائل تعبيرية خاصة بالسينما ، وهو من أكثر المخرجيين الطليعيين الذين ابتدعوا لزماننا هذا بعض مبادئ علم الدلالات والرموز وعلم قواعد السينما وكل ذلك بفضل رؤيته وتأثيرات الأدب الروائي عليه وخصوص

آلان رينييه – الذي غادر عالمنا مؤخراً- واحد ممن خلقوا وسائل تعبيرية خاصة بالسينما ، وهو من أكثر المخرجيين الطليعيين الذين ابتدعوا لزماننا هذا بعض مبادئ علم الدلالات والرموز وعلم قواعد السينما وكل ذلك بفضل رؤيته وتأثيرات الأدب الروائي عليه وخصوصاً أعمال مارسيل بروست المعقدة ،التي من خلالها أكتشف الطريقة التي تعمل بها الذاكرة ، والأسلوب الذي تترابط به الذكريات في القصة المروية ، ونستطيع ان نتلمس ذلك بوضوح في أفلامه المقتبسة عن أعمال مارغريت دورا والآن روب غرييه وجورج سيمنون .
في ( ميلو ) يغامر كثيراً حين أعتمد على نص مسرحي قديم ، حتى في وقته لم يعره النقاد أهمية واعتبروه نصاً عادياً ، لكن رينييه يعيد للمسرحي ( هنري برنشتاين) ألقه وينصفه في زمن كان نقاد زمانه لم ينصفوه ، وبرنشتاين أحد مؤلفي مسرح البولفارد الذي أزدهر في فرنسا نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، ومسرحيته ( ميلو) سبق ان أعدت للسينما أكثر من مرة مثلما قدمت للمسرح وموضوعها مرتبط بما يسمى بالثالوث الفرنسي ( الزوج والزوجة والعشيق) لكن فيلم رينييه يبدو أكثرها التصاقاً بروح النص والمسرح .
يبدأ فيلم رينييه بلقطة لستارة مسرح حمراء ونسمع لغطاً كما في صالات المسرح ، ثم ينبعث صوت صافرة كتلك التي في المسارح التي تعلن عن بدء العرض المسرحي ، تكشف لنا الستارة عن شخصيات الفيلم الثلاث في ديكور قليل كما هي الشخصيات نفهم منه احترام رينييه للنص المسرحي فلم يحاول ان يتلاعب بمفرداته أو يعيد صياغته لجعله أكثر معاصرة ، أضافة الى تمسكه بكل تقاليد المسرح ، وحدة المكان ، الفصل بين المشاهد بواسطة ستارة ، تنويع الإنارة بدل تنويع اللقطات ، الانفعال عند الممثلين يصعد ويهبط بالتدريج ، لحظات الصمت والهمس وخفوت الضوء ، بل حتى تايتل الفيلم جعله على شكل ( كاتلوج) مسرحي ، أيضا المقابل الموسيقي للفيلم استقاه من موسيقى الغرفة ، ساعده في ذلك تفهم ممثليه وأدائهم وهي ميزة لا نجدها إلا في بعض العروض المسرحية الكبيرة .
يبدأ الفيلم خفيفاً قبل ان يتحول الى دراما تنتهي بتراجيديا مفجعة ، هناك ما يفترض بسعادة زوجية بين بيير ( بيير آرديتي ) عازف البيانو وزوجته ( سابين أزيما) ، يوماً يستقبلان مارسيل (اندريه دوسولييه) عازف الكمان الشهير وصديق بيير ، مارسيل يتحدث عن جولاته الموسيقية ، وعن تألقه بالعزف لينهي حديثه عن أمور خاصة كقصة حبه مع فتاة كانت تكذب عليه ، أثناء حديثه تقترب الكاميرا من وجه الزوجة لنرى عينيها تفضحها بحب مكتوم ، لاحقاً تزور الزوجة مارسيل في منزله لتصبح عشيقته دون علم زوجها قبل ان تنتحر ، بعد مضي سنوات يزور بيير صديقه مارسيل طالباً ان يصارحه بطبيعة العلاقة بينه وبين زوجته المتوفاة ، مارسيل ينكر ان تكون بينهما علاقة ، فما يربطهما هو مجرد صداقة ، مارسيل يكذب ربما لان (رومن) قبل انتحارها تركت رسالة وداع لزوجها وليست له .
يبرع رينييه في صياغة مشهد النهاية المؤثر ، بتعبير سينمائي أخاذ حين تتحرك الكاميرا وتقترب شيئا فشيئا من الشخصيات لنقرأ انفعالها المتقد على وجوهها ، وهي تنتقل بين الزوج والعشيق لتمر بفضاء قاتم نشعره مسكوناً بروح الزوجة / العشيقة ، ونشعر بأن خلف قناع الوقار الذي يرتديه الزوج والعشيق توجد جروح وجروح لن تندمل يوماً وأرواح مسكونه بحنين غائب ، ووله غامض من زوجة بيير الجديدة .
أجاد ثلاثي الممثلين أداء أدوارهم ، (سابين ازيما) التي أبدعت في فيلم رينييه ( الحب حتى الموت) تبدع هنا في دور الزوجة التي يتلبسها إله الحب ، مثلما أدت دور الزوجة الصغيرة الثانية لبيير ، ووفق آرديتي في دور الزوج المخدوع وسولييه في دور العاشق الذي يعرف كيف يكتم مشاعره وأسراره .
مثل أفلام آلان رينييه دائما هنالك اختلاط الماضي بالحاضر ، الأحلام بالخيال ، الذاكرة بالواقع ، هنا يبسط أسلوبه ويأخذنا نحو الاقتضاب وهي سمة ستميز أفلامه اللاحقة عكس أفلامه الاولى التي اتسمت بالتعقيد ، هنا فكرة / حدث يأخذ بالتطور ، يصعد ويهبط ، يتركه ويعود اليه لينميه نحو مشهد الختام الجميل ، لقد خاطر رينييه كثيراً حين نفض الغبار من فوق رفوف المكتبة عن نص مسرحي بولفاردي ليعيد اليه رونقه وجاذبيته ، هنري برنشتاين مؤلف ان كانت أعماله كلها بهذا الجمال والسمو فهو يستحق إعادة الاعتبار له والفضل في ذلك لآلان رينييه الذي يراهن دائما على نصوص أدبية ثرية يخرجها بصور سينمائية أكثر ثراءً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

مشاركة 25 ألف مركبة خاصة و350 باصاً في نقل الزائرين

660 ألف طفل في قطاع غزة لا يزالون خارج المدارس

وزير الخارجية: القوات الأمريكية ستبقى في العراق بظل إدارة ترامب الجديدة

إيران: استقالة المسؤولين الإسرائيليين دليل على هزيمتهم

اسعار النفط العراقي تهوي لما دون 80 دولارا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram